بقلم :خالد منتصر
المكتئب يصرخ، لكن إلى الداخل، ولا أحد يسمعه. أعلى صرخاته تكون عندما يتخذ قراره بالانتحار. نحن نتعامل مع المكتئب فى حياتنا على أنه واحد زعلان ومتضايق حبتين، ولا نتصور مطلقاً أن هناك مرحلة جسيمة من الاكتئاب تؤدى بالمريض إلى اقتناع تام بأن الانتحار هو الراحة من كل معاناته وألمه، نعم هناك فى الاكتئاب ألم أقسى وأعنف من المغص الكلوى ومن السرطان، وهذا رد على من لم يتصور «طبيب نساء شهير ناجح» فى منطقة فيصل تنتهى حياته بالقفز من الدور السابع.
الدروس كثيرة، أهمها الدعم النفسى للمكتئب ونشر ثقافة فهم هذا المرض اللعين، وثانى الدروس هو أن الوحدة لها ثمن فى منتهى القسوة على المعرَّضين للاكتئاب، وهو ما حدث مع الطبيب الذى تجاوز الستين ولم يتزوج، ثالث الدروس هو أن الكورونا المتكررة تفاقم الاكتئاب وهذا يحتاج إلى دراسة متعمقة أكثر. انتحر بعد صلاة الجمعة، فى فيصل بمحافظة الجيزة، إثر مروره بأزمة نفسية عقب إصابته بفيروس كورونا 3 مرات، كتب الطبيب المنتحر نشأت العربى فى رسالته معتذراً لأسرته وأصدقائه ومرضاه: الارتفاع الشديد فى ضغط الدم سبّب لى مشكلات صحية لا شفاء منها. متابعات الصحف تذكر أن الطبيب يبلغ من العمر نحو 66 عاماً، ويقيم صحبة والده البالغ من العمر 93 عاماً، ولم يسبق له الزواج من قبل أو الإنجاب، وأنه كان يمر بحالة اكتئاب شديدة خلال الفترة الأخيرة خشية تقدمه فى السن وعدم وجود أحد يقوم على رعايته لعدم إنجابه أو زواجه من قبل، ذكرت التحريات أن الطبيب المنتحر اتصل بزوج شقيقته المهندس واستدعاه قبل الواقعة واجتمع بوالده وزوج شقيقته وسكرتيرة عيادته وخادمه وأفصح لهم بدخوله فى حالة اكتئاب شديدة ثم تركهم ودخل إلى غرفته عدة دقائق، ثم فوجئوا بعد ذلك بأنه ألقى بنفسه من الطابق السابع وانتحر.
هل عزل الكورونا المتكرر ضخّم من إحساسه بالوحدة وفقدان الحب والاهتمام؟ عدد المنتحرين فى العالم أكثر من ضحايا الحروب والقتل العمد (3000 حالة انتحار يومياً)، الانتحار هو السبب الأول للموت عند المراهقين والبالغين تحت الـ35، هناك شخص ما ينتحر فى مكان ما فى العالم كل 40 ثانية، الرجال ينتحرون بنسبة ثلاثة أضعاف المرأة، على عكس ما تتخيلون، هناك شخص يحاول الانتحار، ولم ينجح فيه كل ثلاث ثوانٍ!! أرقام مرعبة توضّح حجم المشكلة وخطورتها، لذلك أطلقت منظمة الصحة والجمعية العالمية لمكافحة الانتحار شعار (connect، care، communicate) لدعم المقبل على الانتحار، المنتحر لا يريد أن يوقف أنفاس الحياة ولكنه يريد أن يوقف صرخات الألم، الاكتئاب مرض وخلل كيمياء وموصلات عصبية فى المخ، وقصة طبية كبيرة لها تفاصيل معقدة، إنه مسئولية طبيب نفسى وليس رجل دين، والمريض حينها يحتاج إلى دكتور لا واعظ.