بقلم :خالد منتصر
من أجمل الشخصيات المرسومة والمنسوجة بعناية ومهارة ودقة وشجن فى مسلسل «الاختيار» شخصية الصيدلى موريس وزوجته، «موريس» متمسك بأرض الوطن، متردد فى الهجرة، مصر بالنسبة إليه ليست حفنة من تراب عفن مثلما يقول الإخوان، ولم يخطر فى خياله للحظة أن يقول «طز فى مصر» كما قال مرشدهم، عاشق لأرضه حتى آخر نفَس، يموت طفله الذى ظل ينتظره من الدنيا بسبب انقطاع الكهرباء فى زمن الإخوان، وبرغم ذلك ظل قلبه مسكوناً بمصر، يعرف أنها بلد يمرض ولا يموت، وأنه ليس تابعاً ولكنه صاحب أرض، قبطى يعرف أن معنى قبطى هو المصرى، لذلك وكما شاهدنا فى البرومو يخرج فى ٤٠ يونيو ضد سماسرة الدين الذين أرادوا شق الصف وتفجير السبيكة الوطنية المصرية، هتف للوطن لا للكنيسة، وضع يده فى يد محمد ومحمود حتى سقط الإخوان.
وبرغم حرق الكنائس فإنه ظل صابراً يردد ما قاله البابا شنودة من قبل: «مصر وطن يسكن فينا ولا نسكن فيه»، ومقولة البابا تواضروس محفورة فى ذهنه عندما قال: «إذا حرقوا الكنائس هنصلى مع إخوتنا المسلمين فى الجوامع، ولو حرقوا الجوامع هنصلى إحنا الاثنين فى الشوارع، وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن»، وإذا كان موريس شخصية درامية فى مسلسل، فلنتذكر المهندس مينا فيليب الذى عاش الواقع المرير، وها هى حكايته، كما كتبتها الجرائد حينذاك:
«كان الرجل عاريا تماماً من الأعلى فى ليلة باردة من ليالى ديسمبر، وينزف من وجهه بغزارة وآثار الكدمات والورم تحيط بعينه، بعد أن أوسعه عناصر الجماعة عنفاً وضرباً، لكن عندما سألوه عن اسمه اضطرب كثيراً ودارت فى ذهنه الأفكار عما يمكن أن يلحقه من أذى مضاعف إذا علمت كل هذه اللحى أنه مسيحى الديانة، فاضطر أن يجيب قائلاً: «مش فاكر» فضَّل أن يدعى نسيان اسمه عن أن يقول لهم إنه مينا فيليب فى مشهد يهدر أى كرامة للإنسان فى وطنه.
فى أقواله أمام النيابة قال المهندس مينا فيليب إنه تصادف وجوده فى شارع الخليفة المأمون بمصر الجديدة أثناء عودته من عمله، وفوجئ بهجوم عدد من الإخوان.
وأضاف: «قاموا بضربى على وجهى ورأسى وسحلى على الأرض وسبِّى بأقذع الألفاظ، وتم احتجازى لساعات ولم يعلم أحدهم أنى مسيحى، إلى أن جاء أحدهم وقال بصوت عالٍ: «الرجل ده مسيحى»، فاستمروا فى لكمى وضربى بشدة».
لم يهاجر موريس ولم يهاجر مينا، مصر كانت تسكن كل واحد منهما، كان مينا يؤمن بأن ما حدث له أمام «الاتحادية» هو من عصابة وليس من رفاق الوطن وإخوة الدرب، وكان موريس مؤمناً بأن ما حدث لطفله هو نتيجة سعار تنظيم يتاجر فى الدين، لا يهمه كهرباء أو ماء أو حياة للمصريين أصلاً لكن ما يهمه هو الكرسى.
كل سنة وكل المصريين طيبين بمناسبة عيد القيامة.