بقلم :خالد منتصر
كان أمس، الأول من ديسمبر، هو الذكرى الثالثة والثلاثين للتقرير الذى أصدره مجمع البحوث الإسلامية بمنع رواية «أولاد حارتنا»، أو بالأصح تجديد المنع الأول الذى صدر فى ١٩٦٨، بعد المنع الذى قيل إن أول من وجه أصابع الاتهام ونبه رجال الدين إلى الرواية كان الشيخ محمد الغزالى، وبعدها بعشرين سنة جاءت محاولة الاغتيال الثانى، أنا أعتبر هذا التقرير كان بمثابة محاولة اغتيال معنوى ثانية بعد المنع الأول، فقد كان مليئاً بعبارات التحريض على الروائى الأعظم فى تاريخنا، ومهد للكهربائى محمد ناجى الطريق لطعنه من العنق أمام منزله فى محاولة الاغتيال الثالث التى تركته بآثار جانبية خطيرة حرمته من الكتابة الروائية الطويلة التى كانت متعته ومتعتنا نحن أيضاً، واكتفى بتدوينه لأحلام فترة النقاهة، تفاصيل هذا التقرير موجودة فى الكتاب المهم للكاتب محمد شعير عن سيرة تلك الرواية الممنوعة والمحرمة، انتهى التقرير بتلك النتيجة التى قالت: «لا يخفف من هذه المؤاخذات أنها سيقت مساق الرمز لأن الرمز مصحوب بما يحدد المقصود منه بغير لبس ولا شبهة، ولا ما يذكر أحياناً على لسان بعض المغرضين، أو من استغرقتهم واستهوتهم هذه الأفانين من أن الكاتب يكتب فناً ولا يقصد به القصص الدينى»، ولذلك «قرر مجمع البحوث الإسلامية حظر تداولها أو نشرها مقروءة أو مسموعة أو مرئية، وكذلك حظر دخولها بناء على هذا التقرير وعلى تقارير الأجهزة الرقابية الأخرى»، انتهى التقرير الذى كُتب بعد أربعة أيام من تكريم الرئيس مبارك لـ«محفوظ» وتسليمه قلادة النيل، ولكن الأسئلة لم تنته بعد، فقد ذكر أن صفوت الشريف، وزير الإعلام حينذاك، قد اعترض فى الاجتماع الوزارى الذى عُقد فى نهاية نوفمبر لبحث نشر الرواية، رغم موافقة وحماس وزير الثقافة فاروق حسنى، الذى كان موقفه وقتها فى غاية الاستنارة، وبرز السؤال: هل كانت هناك علاقة بين رفض «الشريف» ورفض مجمع البحوث الإسلامية؟ أسئلة أخرى كثيرة ومحيرة طرحها كتاب «شعير» عن محمد الغزالى وسيد سابق اللذين منحتهما الدولة سلطة من خلال لجنة «الدفاع عن الإسلام» فتكون رواية «أولاد حارتنا» على رأس جدول الأعمال وتكفير صاحبها له أولوية النقاش!، عن مثقفين وأدباء قدموا بلاغات ووشايات وتقارير فى الرواية وتحدثوا بلغة الدروشة لا الفن، شاعر مشهور يضع السم فى العسل ويشعل نار التكفير المحفوظى من خلال نشر رسالة وصلته من مصارع!، وزير اقتصاد يهاجم ثروت عكاشة لاحتضانه نجيب محفوظ، ضابط كبير من الضباط الأحرار كان يشغل أحد عشر منصباً، من بينها وزير التعليم، ينتفض لأن «محفوظ» خدش حياءه الإيمانى متصوراً أن «بداية ونهاية» هى نفسها «أولاد حارتنا»!، ثانى رجل فى الدولة يأمر كتيبة بالقبض على صاحب الرواية لولا تدخل الحاكم شخصياً، وزير إعلام يرفض طلب وزير الثقافة بطبع الرواية، ثم يزور صاحب الرواية بعد محاولة اغتياله ليصرح أمام كاميراته بأنه لا مصادرة فى عهد رئيسنا وتحت قيادته الميمونة، ناقد كبير يطالب نجيب محفوظ بالابتعاد عن كتابة مثل تلك الروايات والإسراع بكتابة ثلاثية عن السد العالى!، سلطة تتغاضى عن تحريض زعيم الإرهابيين ومنظّرهم وصاحب الفتوى فيهم الذى قال: «لو كنا قتلناه من تلاتين سنة ماكانش سلمان رشدى تجرأ وعمل كده»، منحوه الوسام بعد «نوبل»، ثم شطبوا رواية «كفاح طيبة» من المنهج بحجة خلاف على 8 قروش، وألغوا بعدها خطابه إلى الأكاديمية السويدية من كتاب القراءة بحجة تخفيف المناهج!
هل فعلاً كانت سكين الكهربائى محمد ناجى هى أول سكين فى عنق نجيب محفوظ؟