توقيت القاهرة المحلي 05:05:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أمى

  مصر اليوم -

أمى

بقلم :خالد منتصر

عندما توفيت أمى سعاد فى سن السادسة والعشرين، وأنا ما زلت طفلاً فى المدرسة الابتدائية، قلّبت فى أدراجها بفضول طفل لا يصدق أن أمه قد رحلت، جذبتها جميعاً حتى أسقطتها وتناثر كل ما فيها بعشوائية على أرض الغرفة، بحثاً عن بقايا رائحة عطر أو فتات ذكرى أو قصاصة تحمل ظل توقيع باهت لم يطمسه الزمن، وجدت ملفاً مكتوباً عليه معهد القلب وحالة المريضة MITRAL STENOSIS، بحثت فى قاموسى المدرسى عن الترجمة، وجدت معناها ضيقاً فى الصمام الميترالى!، ظلت هذه الكلمات ترن فى أذنى حتى دخلت كلية الطب وعرفت أن هذا الضيق نتيجة لروماتيزم القلب الذى دخل متحف التاريخ فى الدول المتحضّرة، ولكنه للأسف كان ينهش قلوب أطفالنا فى مصر المحروسة.

عندما زُرت معهد القلب القومى، كان أول ما شاهدته وسألت عنه هو ماذا يفعل مريض ضيق الصمام الميترالى فى المعهد، وكم عدد ضحاياه الذين لحقوا بأمى التى ظلت ست ساعات داخل غرفة العمليات لتغيير صمام؟ ثم انتهت الجراحة بمضاعفات جلطة، ثم مرت فترة ورحلت أمى العزيزة، التى لم يكن يستطيع ترجمة كلماتها المدغومة وحروفها المتعثرة بسبب الجلطة إلا طفل فى التاسعة من عمره يكتم دموعه لكى يوهمها بأنها مفهومة ومعبرة وواضحة، كنت أتحمل عبء هذه الترجمة الفورية وأنا أدعو لها بالشفاء، ولكنى ودعتها وهى فى ريعان الشباب، وجدت مرضى الصمام الميترالى يجلسون ربع ساعة لتوسيع الصمام ثم يغادرون المعهد فى تمام العافية والحمد لله، وجدت نفسى أهمس لمن حولى ممن لا يعرفون القصة، وبلا وعى، أين أنت يا أمى الحبيبة الآن؟!، العلم يتقدم ويطبطب على جراح البشر بيده الحانية، مثلما قالوا لى فى معهد الكبد لو كان عبدالحليم عايش دلوقتى كان عمل زرع كبد وأنقذناه، لكن الأعمار بيد الله!، تمنيت لو تحقق الكلام نفسه على أمى الحنون لكى أنعم بحضنها الدافئ فى زمن بخيل ضنين يوزّع فيه الحب بالقطارة والكراهية بالقنطار!

فى عيدك يا أمى أتذكر قصيدة نزار:

عرفت نساء أوروبا.. عرفت عواطف الأسمنت والخشب عرفت حضارة التعب.. وطفت الهند، طفت السند، طفت العالم الأصفر ولم أعثر.. على امرأةٍ تمشط شعرى الأشقر وتحمل فى حقيبتها.. إلى عرائس السكر وتكسونى إذا أعرى وتنشلنى إذا أعثر أيا أمى.. أيا أمى.. أنا الولد الذى أبحر ولا زالت بخاطره تعيش عروسة السكر فكيف.. فكيف يا أمى غدوت أباً.. ولم أكبر؟

وقصيدة البردونى:

آه «يا أمّى» وأشواك الأسى.. تلهب الأوجاع فى قلبى المذاب/ فيك ودّعت شبابى والصبا.. وانطوت خلفى حلاوات التصابى/ كيف أنساك وذكراك على.. سفر أيّامى كتاب فى كتاب/ إنّ ذكراك ورائى وعلى وجهتى، حيث مجيئى وذهابى/ كم تذكّرت يديك وهما فى يدى أو فى طعامى وشرابى/ كان يضنيك نحولى وإذا مسّنى البرد فزنداك ثيابى/ وإذا أبكانى الجوع ولم تملكى شيئاً سوى الوعد الكذّاب/ هدهدت كفاك رأسى مثلما هدهد الفجر رياحين الرّوابى.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أمى أمى



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات

GMT 20:08 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة تصدر 9 قرارات تهم المصريين "إجازات وتعويضات"

GMT 08:01 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

عرض فيلم "الفلوس" لتامر حسني أول تشرين الثاني

GMT 08:44 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

إنجي علي تفاجئ فنانا شهيرا بـ قُبلة أمام زوجته
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon