بقلم :خالد منتصر
احتفاء مُبالغ فيه حدث منذ عدة شهور لسيدة إيطالية تزوجت من عامل بناء فيومى، ولأنه جعلها تغير اسمها إلى اسم إسلامى وترتدى الحجاب، فقد تمت استضافتها هى وزوجها فى برنامج شهير، ظل يمجّد فى ابن الفيوم الذى استطاع أن يجبر الإيطالية على تزغيط البط وعمل الملوخية وتقوير الكوسة للمحشى، حيث زاد وزنها إلى الضعف، وأنجبت أربعة أطفال، وصفق الجمهور لهذا النمط من الحياة، وأخذهم الحماس واعتبروها غزوة جهادية.
عندما شاهدت المنظر فى الاستوديو، كنت على يقين بأن هذا الوضع لن يستمر، وأن ما نتصوره من انتصار ونجاح فى تشكيل فتاة إيطالية على نمط «أمينة»، زوجة «سى السيد» فى الثلاثية المحفوظية، هو محض وهم، وتحقق بالفعل منذ أيام ما توقعت، وهربت السيدة الإيطالية بأبنائها الأربعة وعادت لبلدها!
المشكلة هى فى رد الفعل الذى يدينها ويهاجمها، ويمجّد النموذج الذى كانت تعيش فيه على أنه هو النموذج المثالى المنشود الذى يحلم به الأوروبيون، ومحاولة سحق المرأة لتكون مجرد ماكينة إنتاج أطفال، وخادمة بدون مرتب، وجارية بلا حقوق، هى محاولة لترويج نمط حياة هجره العالم بل وأدانه، ويعتبره الآن سبة وعاراً.
والسؤال: ما سبب الاحتفاء أصلاً بهذا الحدث؟ ولماذا لدينا هذا الشعور «الألتراساوى» الذى يسعدنا بهستيريا وكأن لاعباً انتقل من الأهلى للزمالك أو العكس، لماذا إحساس المكايدة الدينية ما زال يسيطر على البعض؟ وكأن كل شخص يريد أن يطمئن نفسه بأنه على صواب، ما الذى ستستفيده؟ وما الذى يُفرحك فى وجود هذه السيدة فى تلك القرية على تلك الصورة؟
اسأل نفسك وأجب بصدق إذا كنت فرحاً لمجرد أن «ديزيريه» صارت «أمينة»، فلا بد أن تراجع نفسك، هل فكرتك وهل ما تتمسك به على هذا القدر من الهشاشة، لتنتظر سيدة أجنبية تعتنقه فتطمئن وتقفز هاتفاً: ظهر الحق!! ولماذا محاولات دمج الأجنبية فى حياتنا مرتبطة بأن تحلب البقرة وتزغّط البط وتنظف الروث وتمتنع عن تناول أقراص منع الحمل؟!
لماذا الإصرار على ربط الانتماء الأنثوى الغربى لمجتمعنا بالذل والانسحاق؟ هل معنى «سلو بلدنا» أن نجعل المرأة الأجنبية التى تزوجت هنا مجرد تابعة، وهل لا بد من طمس ملامحها وإهدار جمالها وتضييع رشاقتها حتى نطلق عليها لقب مواطنة صالحة مطيعة؟
إن جرح الانهزام الداخلى وإحساس الدونية المزمن لا بد من التخلص منه عند حدود العلاقة بالآخر، واحترام مساحة المختلف الخاصة مهم، كذلك فإن احترام تباين الثقافات ضرورى، تبجيل الأنوثة وعدم النظر إلى تلك الأنوثة على أنها إغراء غواية من أساسيات التحضر.
عندما كتب نجيب محفوظ ثلاثيته، كان يدافع عن كل «أمينة» فى العالم، وليست «أمينة»، ساكنة الحسين فقط، ماتت «أمينة» زوجة «سى السيد»، ولكن «سى السيد» ما زال ساكناً فينا، حياً ينبض بطربوشه وعصاه ونزواته.