بقلم :خالد منتصر
صرح الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، بأن حصيلة الإيرادات المحققة بدءاً من شهر يناير حتى النصف الأول من شهر ديسمبر الجارى بلغت 6 مليارات دولار، وهو رقم لم تسجله قناة السويس من قبل، شعرت بالفخر أن أبناء قناة السويس يستكملون ملحمة هذا الكيان الذى سطر تاريخ مصر بالنور والنار، نور الحضارة والمدنية والتقدم، ونار المعارك ضد أعدائها ممن أرادوا تركيع مصر بإغلاقها ومنع المرور فيها.
وقد طمأن الفريق أسامة جميع المصريين بأنه «لم تتوقف مشروعات التطوير بقناة السويس بعد مشروع القناة الجديدة، حيث عكفت الهيئة على تطوير محطات المراقبة الموجودة على طول القناة، وذلك بالتوازى مع إنشاء سلسلة من الجراجات على القناة الجديدة لمواجهة حالات الطوارئ المحتملة، كما يجرى العمل حالياً على تطوير القطاع الجنوبى للقناة من الكيلو 122 إلى الكيلو 162 ترقيم قناة لزيادة عامل الأمان الملاحى وزيادة الطاقة الاستيعابية للقناة فى تلك المنطقة بواقع 6 سفن إضافية»، وأشار الفريق أسامة ربيع رجل المهام الصعبة إلى حادث «إيفرجيفن» وقال «إن حادث جنوح سفينة الحاويات البنمية العملاقة EVER GIVEN كان حادثاً استثنائياً وتحدياً غير مسبوق لم تشهده قناة السويس من قبل، حيث اجتمعت فيه عدة تحديات تمثلت فى أبعاد السفينة الضخمة وطبيعة التربة، فضلاً عن الطقس السيئ، مما تطلب معه اللجوء لحلول غير تقليدية، حيث استحدثت الهيئة استخدام التكريك لأول مرة فى أعمال الإنقاذ البحرى، كما تضافرت جهود جميع العاملين لتعويم السفينة بنجاح».
لا بد أن نعرف أن قناة السويس ليست ممراً مائياً فحسب، لكنها تاريخ نابض وكيان عملاق وخبرات بشر وأحلام وطن، أزمة السفينة الجانحة أيقظتنا على حقيقة أن قناة السويس ليست معبراً للسفن فقط، ولا مصدراً للدخل والإيرادات فقط، ولكنها قبل ذلك كنز من الخبرات والمهارات، مهندسون ومرشدون ومحاسبون وأطباء وعمال مهرة، لديهم انتماء وطنى لهذا الكيان العظيم، الذى دفع الأجداد ثمنه روحاً، واستشهد فى مياهه الأبناء وبذلوا الدماء دفاعاً عنه، واليوم يقف الأحفاد بالتكنولوجيا والخبرة وقبلهما الإرادة لمنع أى محاولات تعطيل للمجرى أو منع للملاحة.
استيقظ العالم على أحفاد الفراعنة، من علموا الدنيا أصول الهندسة، وهم يواجهون هذا الموقف الصعب الذى قدر له العلماء الحل فى شهور، ونفذه أبطال قناة السويس فى أقل من أسبوع، كان الشامتون يسخرون من قناتنا ويصفونها بالترعة، ولطمهم العالم على قفاهم حين وقف على أظافره منتظراً الحل، ارتفعت أسعار النفط، واحتل الخبر مانشيتات أهم الجرائد العالمية ونشرات أخبار الفضائيات الأمريكية والأوروبية.
عرف العالم وحفظ عن ظهر قلب إدارات الهيئة، التحركات والكراكات والهندسية.. إلخ، عرفوا عامل الكراكة والحفار والغطاس والبناء والقياس والقبطان وسائق اللنش، واكتشف أبناء الهيئة طاقاتهم التى استفزها الحدث وصهرتها الأزمة، فخور بأننى أنتمى لهذا الكيان الذى قضيت فيه معظم سنوات عمرى، وبين جدرانه تنفست عبق التاريخ الذى هو ملخص تاريخ المحروسة الحديث، فخور بأننى خدمت هؤلاء الأبطال كجندى فى جيشهم الطبى الأبيض، فخور بجو العائلة الذى نحسه فى المكتب والعيادة والنادى والشارع والسكن، فخور بكل القيادات وبكل العمال، فخور بروح العناد والحب والتصميم، قُبلة على جبين كل من شارك فى تلك النهضة فى الإيرادات وقبلها فى تعويم وتحريك ذلك العملاق والمارد العائم على سطح القناة، كنت واثقاً من استيعاب الدرس وتدارك أى قصور فى المستقبل، بدليل التوسعات التى تحدث الآن للقناة لتلافى مثل هذا الحادث مرة أخرى، وبدليل أن إيفرجيفن مرت منذ أيام قليلة فى نفس المجرى بكل أمان وبكل كفاءة وسهولة ويسر، أشد على أياديكم أبطال هذا الصرح الذى سيظل شاهداً على عظمة مصر وتفردها.