بقلم :خالد منتصر
إزاى تتفرج على فيلم بشكل فنى؟ هل المشاهد المصرى يحتاج إلى أن يتعلم كيف يتذوق السينما؟ هل يحتاج إلى دروس تقوية ومذكرات تفسيرية فى الفرجة على الأفلام؟ الإجابة نعم، وبشدة وإلحاح وبشكل عاجل، لذلك نحن فى حاجة إلى كتب مثل «بلوغ المرام فى مشاهدة الأفلام»، و«كيف تتعلم السينما فى ٢٤ ساعة»، و«دليل المتفرج الذكى فى قاعة السينما»... إلخ. ما حدث من ردة فعل تجاه فيلم «أصحاب ولا أعز» يوضح كيف أن ذائقتنا السينمائية قد تشوهت لأسباب كثيرة، وعلى رأسها الذائقة السلفية التى انتصرت واكتسحت وجعلت مزاج المصريين فى التذوق الفنى عموماً يميل إلى الرجعية والأحكام الأخلاقية، يحكم على شخصية منى زكى فى الفيلم وكأنها منى زكى الحقيقية لا الشخصية التى تجسدها، ويتعامل معها ليس كظل على شاشة فى قاعة مظلمة، ولكنه يتعامل معها كعروسة سيخطبها لابنه فى صالون حماته!
ذكرنى الهجوم الهستيرى على الفنانة الرائعة منى زكى ببدايات الفرجة على السينما الصامتة، حين كان الناس يتخيلون، من فرط سذاجتهم، أن ما يحدث على الشاشة حقيقى وواقعى، فكانوا يهرولون من المقهى أو الصالة حين يظهر القطار على الشاشة، خوفاً من أن يدهسهم! أخذ ذلك الفزع والخوف وقتاً لكى يختفى، وصار الجمهور المصرى حتى أواخر السبعينات يتسامح مع قبلات السينما ومايوهات البلاج وعلاقات الخيانة، لأنه يدرك جيداً أنه يشاهد فيلماً، وأن كل ما يراه موجود منه نماذج تسكن الواقع ولا داعى لأن نخفى رؤوسنا فى الرمال خجلاً أو إنكاراً. ضحكنا مع إسماعيل يس فى «الآنسة حنفى» وهو يستعرض قضية تحويل الجنس، واستمتعنا بأداء نور الشريف فى «قطة على نار» ويوسف شعبان فى «حمام الملاطيلى» ومديحة كامل فى «الصعود إلى الهاوية» ورؤوف مصطفى فى «ديل السمكة»، لأننا حاسبنا الأفلام على جودتها الفنية وتعاملنا معها كسينما وليست كمشاهد فيها مثلى جنسياً، ورغم أن بعض تلك الأفلام قد أُنتجت بعد الثمانينات التى كانت سطوة السلفيين قد بدأت فى الظهور وقتها، إلا أنها لم تقابل بتلك الهستيريا التى نلمسها الآن، والسبب أن السوشيال ميديا خلقت دكتاتورية رقابية تكفيرية كارهة للفن والفنانين بشكل عصابى، ومجتمع يكره الفن هو مجتمع ينتحر بجفاف العاطفة وأنيميا الخيال وسرطان الجلافة والتبلد، مجتمع يريد كل العالم شبهه، نسخة فوتوكوبى منه، يعيش شيزوفرينيا حادة، مظاهرات تحرش فى الأعياد، ومظاهرات منع أفلام وقمع منصات وفنانات فى البوستات والتويتات والتريندات والهاشتاجات!
الفيلم لم يخدش الحياء كما يدّعون، ولكنه خدش الهشاشة، هشاشة الفكر وسطحية الإحساس التى نعيش فيها، وعدم احترام حرية الاختيار، بداية من حرية عدم الاشتراك فى نتفلكس، وحرية الضغط على زر الريموت كونترول للتوقف عن الفرجة، وحتى حرية مناقشة النماذج الإنسانية التى تنكر وجودها وتتعامى عن حضورها المجتمعى، سواء كان نموذجاً مختلفاً اجتماعياً أو سياسياً أو إنسانياً أو حتى جنسياً، فى النهاية كل التحية للفنانة منى زكى التى أكدت أنها فنانة تقدم سينما لمشاهد ناضج وليست سمسارة تغازل زبوناً رجعياً.