بقلم :خالد منتصر
لا توجد جملة دمرت وطناً مثل تلك الجملة، قمة التواكلية والتفكير الأسطورى وكراهية العلم والعداء للتخطيط، وغرس اللامنطق لنشر هستيريا العشوائية الفكرية التى لا بد لتمريرها من مسحة دينية، لو اعترضت عليها، فأنت تعترض على القدر الإلهى، وهو نفس المنطق الذى يحكم مسألة: «لا تغسل الكلى، لأنها تأجيل لمشيئة الله، ولا تزرع عضواً، لأنك بذلك تعترض على الله وتتحكم فيما يملك الرب.. إلخ».
نفس الفزّاعة الدينية تستخدمها بعض السيدات لتخويف الزوجة المُقدمة على استخدام وسيلة من وسائل منع الحمل. إنها جملة: «ربنا ما يتعاندش»، وكأننا فى حلبة مصارعة، وهل أى علاج أو جراحة هو عناد مع ربنا؟؟!!! منطق فى منتهى الغرابة، وقد سمعت من سيدات ريفيات حكايات تنتمى لعالم الهلاوس والضلالات، يتم تأليفها خصيصاً لإثبات أن مَن تستخدم وسيلة منع الحمل وتعاند ربنا، فإن الله سيفضحها على رؤوس الأشهاد! لدرجة أنه فى قرية أبى، كنت قد سمعت حكاية أن سيدة استخدمت اللولب، فحدث للزوج مشكلة وأمسك اللولب بتلابيبه، فظل ملتصقاً ولم يتم فك الاشتباك إلا فى المستشفى!!!
تخيلوا إلى أين وصل وجمح الخيال بتلك السيدة الريفية الغلبانة التى زيفوا وعيها وخرّبوا دماغها؟؟ فقط لتلويث سمعة وسائل منع الحمل!! أما جملة «العيال عزوة»، فهى كلمة الحق التى يراد بها باطل، فالعيل عزوة ودعم حين تتوافر الظروف لكى يكون داعماً، ولكى يكون عزوة بجد، وليس رقماً ضمن الأرقام أو غثاء سيل أو طفل شوارع.
أما حكاية وحجة الصين التى هى مليار ونصف المليار، وبلد قوى برغم هذا العدد المهول، فيرد عليها د. عمرو حسن، ويثبت أنها حجة «فشنك» وكلام مرسل فيقول: نموذج «الصين» بعيد تماماً عن الحقيقة والواقع، وتحريف للكلم عن مواضعه، فجمهورية الصين الشعبية تعد من بين تلك التجارب الناجحة فى مواجهة المشكلة السكانية، فقد بدأتها بإرسال التعليمات من الحكومة لوزير الصحة وقتها، تدعوه إلى مساعدة الشعب فى مسألة تحديد النسل، وبدأت حملات واسعة للدعاية لوسائل منع الحمل.
وبعد عام 1956 كانت نقطة تحول فارقة، حيث أعلن الاتحاد الديمقراطى للنساء الصينيات استعداده للقيام بحملة واسعة لتحديد النسل، بعد أن أعلن نائب رئيس الوزراء الصينى أن «الاستمرار فى إنجاب الأطفال دون حساب أصبح أمراً غير مقبول».
وفى العام نفسه، أعلن رئيس الوزراء الصينى قائلاً: «إننا نؤيد تنظيم عملية التكاثر حماية لصحة الأطفال والنساء من أجل تربية وتثقيف الجيل الصاعد ورفاهية أمتنا»، ويستكمل قائلاً: «ومن أهم مؤشرات نجاح التجربة الصينية انخفاض معدل النمو السكانى إلى 0.5% عام 2008، والوصول بمعدل الخصوبة الكلى إلى 1٫6% طفل لكل سيدة عام 2008، وارتفاع متوسط العمر المتوقع إلى 71 عاماً للذكور و75 عاماً للإناث عام 2008، بالإضافة إلى ارتفاع معدل استخدام موانع الحمل بين النساء المتزوجات فى سن الإنجاب إلى 90% عام 2008».
وإذا نظرنا إلى واقعنا الحالى، فسنجد أن معدل النمو الاقتصادى الصينى يبلغ فى أقل حالاته 6.9% ومعدل النمو السكانى 0.43%، أى أن نسبة معدل النمو الاقتصادى الصينى إلى معدل النمو السكانى تبلغ 16 مرة، بينما إذا نظرنا إلى مصر، فمعدل النمو الاقتصادى وصل إلى أكثر من 5.6%، مع توقعات بوصوله إلى 6.9% بحلول عام 2027، أى أن هناك تحسناً كبيراً فى معدل النمو الاقتصادى المصرى، فى المقابل نجد أن معدل النمو السكانى 2.5%، أى أن نسبة معدل النمو الاقتصادى المصرى إلى معدل النمو السكانى مرتان فقط، والسبب هنا فى التجربتين المصرية والصينية هو معدل النمو السكانى، ففى الصين أقل من نصف فى المائة وفى مصر 2.5%، أى أن معدل الزيادة السكانية فى مصر خمسة أضعاف الصين، وهذا هو الفارق».
فهل سيقتنع أصحاب نظرية «كل عيل بييجى برزقه»؟