توقيت القاهرة المحلي 16:08:12 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تجسيد الواقع

  مصر اليوم -

تجسيد الواقع

بقلم :خالد منتصر

ممثلة شابة تشترط فى عقد المسلسل وتفرض بنداً فيه بأنه ممنوع لمسها، وتم فسخ خطوبتها بسبب مشهد تمكّن فيه زميلها من جسّ نبضها بصفته يجسد دور طبيب فى المسلسل، وقبلها ممثل يقول «ممنوع اللمس»، فهو لا يصافح النساء ويدعو جمهوره لترك مشاهدة مسلسله والاعتكاف فى رمضان، وكانت الفنانة شيرين رضا قد ردت على تلك التصرفات بنصيحة لهؤلاء بأن يتجهوا إلى الدراما الإذاعية، ولكنى سأصدم شيرين بأنهم سيصرخون وقتها بأن الدراما الإذاعية حرام لأن الصوت عورة!

قضية دراما ممنوع اللمس هى قضية اضطراب بديهيات وخلل تعريفات وتشوش فهم فى زمن تقديس المظهريات وسماسرة الأديان ومغازلة الشارع بالمزايدات الدينية، الممثل فنان يعرف نوعية ما هو مقبل عليه قبل أن يدخله، يعرف أنها مهنة فنية يجسد فيها واقعاً يحوله بأدوات الفن على الشاشة أو خشبة المسرح بالخيال إلى سينما أو مسرح أو مسلسل... إلخ، يحوله بالصدق الفنى الذى هو مختلف عن النقل الفوتوكوبى الفوتوغرافى، والمسطرة التى تقيس الفن فى صالة السينما ليست هى المسطرة التى تقيس التدين فى دور العبادة، وطريقة ومعيار القياس المختلفة لا تدين هذا ولا ذاك، ولا تقلل من قيمة الدين على حساب الفن، ولكنه فقط اختلاف معايير، فلا تستطيع أن تزن بالمتر ولا أن تقيس بالجرام، هذا له أدواته وذاك له أدواته، هذه هى القصة، لقد حوكمت رواية «مدام بوفارى» وحوكم مؤلفها فلوبير بسبب اتهامها بإفساد الأخلاق ونشر الشهوانية، دافع سينار محامى فلوبير عن الرواية انطلاقاً من تلك النقطة، نقطة اختلاف المعايير، وقال فى مرافعته جملته الشهيرة عن الرواية بأنها «الدعوة إلى الفضيلة من خلال بشاعة الرذيلة»، وعاش فلوبير وخلد اسمه ودُفن اسم المحامى العام الذى اعتقل وحاكم وأدان الرواية التى وصفها لامارتين بأنها من أروع ما قرأ، وهذا هو الحكم الفنى أو المحاكمة الإبداعية الحقيقية التى ليس فيها عمل فنى حلال أو حرام لكن فيها عمل فنى جميل أو ردىء.

منذ أن أطلقنا وصف السينما النظيفة وتبناه الجيل الجديد الخارج من رحم عصر «إسماعيلية رايح جاى» المتزامن مع سيطرة المزاج السلفى على عقل مصر، رفع شعار ممنوع اللمس فى الدراما، وبدأنا تقييم المشاهد ورؤيتها بعدسة فقهية لا سينمائية، وتحول البلاتوه إلى منبر خطابة، والمدهش أن الشاب الذى يعترض على مشهد اللمس الفنى هو نفسه الذى يعتز بمشاهد بيع الجوارى فى الأسواق كما يحكيها التراث!! لا يجد فى ذلك ازدواجية أو فصاماً، هل سيضطر المخرج لتصوير الممثلين من قفاهم غضاً للبصر؟! وهل سيرتدى كاست العمل قفازات حتى لا تنتقل كهرباء النشوة من أعصاب البطل إلى البطلة عند مصافحتها، هل سنضطر، مثلما فعلت بعض البلاد فى الماضى، أن نلغى أدوار الممثلات ونأتى بممثلين يرتدون ملابس نسائية لكى يصبح المسلسل حلالاً بلالاً؟!

الكوميديا صارت نادرة وعزيزة فى هذه الأيام، لذلك أجد أننا فى الفن صرنا فى الثقب الأسود لكوميديا العبث.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تجسيد الواقع تجسيد الواقع



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:13 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
  مصر اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 00:24 2023 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

الأهلي يهدد بتصعيد أزمة الشحات والشيبي للفيفا

GMT 06:06 2018 السبت ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

شاومي تعلن عن حدث في نيويورك بداية الشهر القادم

GMT 23:00 2018 الخميس ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

الشاعِرة سندس القيسي تُصدِر كتابها الشعري الثاني

GMT 03:05 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتفاع أسعار الخضراوات في الأسواق المصرية الجمعة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon