بقلم :خالد منتصر
الشكل السردى الذى اختاره الكاتب إبراهيم عيسى لإعادة قراءة التاريخ يحرز نجاحاً ويحقق قبولاً عند الشباب يوماً بعد يوم وكتاباً بعد كتاب، ويجعل التاريخ الذى هجره هؤلاء عند أطراف أصابعهم فى وجبة سهلة الهضم.
وقد تجاوز كتاب «رصاصة فى الرأس» كتبه التاريخية السابقة فى أنه يتحدث عن تاريخ قريب نستطيع أن نستخلص منه دروساً كثيرة فى مواجهتنا ضد الإرهاب كفكرة قبل مواجهة الإرهابيين كأشخاص، تنظيم التكفير والهجرة بقيادة شكرى مصطفى برغم أنه لم يقتحم مكاناً عسكرياً مثل سلفه صالح سرية، فإن زلزاله وتوابعه وتأثيره ودلالاته كانت أخطر، فالضحية الشيخ الذهبى هو شخص أقرب إلى اليمين الدينى، وهذه أولى مفاجآت تلك الحكاية المثيرة، فهو وقت أن كان وزيراً طالب بتنفيذ الحدود، والأغرب أنه تبنى حد قتل المرتد!!
ولكنه بالرغم من كل ذلك اعتبروه هو نفسه كافراً مرتداً، بل اختاروه قبل أى سياسى يسارى، وأطلقوا الرصاص على عينه اليسرى وحطموا جمجمته فى مشهد بشع، وهنا أهم الدروس، لا تزايد على الجماعات الدينية، فلن ترضيهم وستخسر كل شىء، هم لا يرضون إلا بالفوتوكوبى، ولا بديل عن ذلك، فشكرى مصطفى كفَّر من خرج على جماعته وحاول قتلهم، بل كفَّر الإخوان حلفاءه السابقين.
وضع المؤلف شكرى مصطفى على طاولة التشريح النفسى وغاص فى أعماقه، ونظر من زاوية لا يمكن إغفالها، طالب كلية الزراعة المنبوذ من الأب والأم اللذين انفصلا، حبه للشعر، تأثره بسيد قطب، العينان اللتان تشع منهما الرهبة والسيطرة والقسوة، صفات القائد الذى ينوم أتباعه مغناطيسياً، درس آخر يلتقطه قارئ ما بين السطور عن استغلال قتل الذهبى ليس لإدانة هؤلاء وتجديد الفكر الدينى والثورة على الركود والتحنط ومقاومة التغيير، لكن استغلاله للترويج أكثر لنفس فكرة المتطرفين، وهى أن هذا الحادث كما قال الشعراوى وزير الأوقاف حينذاك، القصد منه تعطيل تطبيق الشريعة والتشويش عليها!! الدرس الثالث هو غرقنا فى الشكليات التى تداعب وتغازل الغوغاء وإهمال الحادث الجسيم نفسه وهو قتل شيخ أعزل بكل هذه القسوة والإجرام، ففى مناقشات ومداولات الحكم كان الحديث الجذاب والذى احتل مساحة واسعة، هو تبادل الزوجات فى هذا التنظيم!! وليس الدم والرصاص والغدر، استعرض إبراهيم عيسى أيضاً الشكل التنظيمى الذى يعتمد فى الأساس على الأقارب وأهل الثقة ثم يبدأ الانتشار، وأيضاً تطرق إلى قضية مهمة وهى إيمان أجهزة الأمن حينذاك بالبناء الفكرى للجماعة، والتعامل معها كقضية فكرية لا أمنية فقط.
أما الدرس الخطير فهو سذاجة الاقتناع بأن الحية الرقطاء التى تربيها وتطعمها فى بيتك ستكون خادمك الأمين، فقد ترك الحبل على الغارب لمحافظ أسيوط ليكون الجماعات الإسلامية داخل الجامعات لضرب اليسار، وتخيل المحافظ وتخيلت السلطة وقتها أن مزايداتهم فى الطقوس الدينية ومحاربة الفن فى الجامعة وتحويل قصور الثقافة إلى زوايا، سيذيب ويصهر تلك الجماعات ويعلنوا اعتزالهم، ولكن هيهات أول من التهموه كان من ربى القط الذى تحول إلى نمر والتهمه فى يوم احتفاله.
رصاصة فى الرأس ليست مجرد حكاية مر عليها أقل من نصف قرن، ولكنها حكاية تتشكل بذورها كل يوم فى الشارع والمدرسة والبيت، وفى كل مرة نعتبرها مفاجأة.