توقيت القاهرة المحلي 16:08:12 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كيف تغتال موهبة؟

  مصر اليوم -

كيف تغتال موهبة

بقلم :خالد منتصر

ندمت على عدم معرفتى به، إلا قبل موته بفترة قليلة، إنه على سالم، هذا الكاتب المسرحى الكبير الذى يعد نموذجاً مثالياً وإجابة نموذجية على سؤال: «كيف تغتال موهبة بدون معلم؟»، أن يظل كاتب فى قيمة وقامة على سالم محاصراً مسرحياً أكثر من ثلاثين عاماً لمجرد أنه أعلن رأياً مهماً، كان هذا الرأى صادماً، فهى كارثة وجريمة، على سالم كاتب مسرحى موهوب وليس سياسياً صاحب منصب أو كادر حزبى، أعلن أنه مع التطبيع، أخى المثقف من الممكن أن تختلف معه وتنتقده بشدة فى مقال أو كتاب، ولكن أن تفصله من اتحاد الكتاب وجمعية الأدباء وتقطع عيشه وتغلق مسرحياته وتمنع نزول اسمه على فيلم شارك فى كتابته وهو «أيام السادات» وتلغى تصوير مسرحياته، فتحرم جمهوره من: «سهرة مع الضحك، وبكالوريوس فى حكم الشعوب، والكلاب وصلت المطار»، وكل مسرحياته القصيرة ذات الفصل الواحد، بل وتلاحق فرق قصور الثقافة وتتهمها بالعمالة والخيانة إذا تعاطت مع مشهد من مسرحياته، بل وعلى المستوى الإنسانى تقطع رجله من أى مقهى يتجمع فيه أصدقاؤه القدامى الذين عزلوه وكأنه جذام بشرى!!، كارثة ومصيبة أن نتعامل مع موهبة بحجم على سالم بهذه الطريقة الدراكولية، هو إحنا عندنا كام على سالم عشان نعمل فيه كده؟!، كان أول تليفون عندما دافعت عنه وقت قرار فصله من اتحاد الكتاب، وقلت للمثقفين المتحمسين لذبحه وقتها أنتم لا تختلفون عن الإخوان فى تعاملكم مع المختلف، قلت له: إننى أختلف معك سياسياً، لكنى محب لك، عاشق لكتاباتك، وأعرف أنك فى موقفك السياسى صادق مع نفسك ومقتنع ولا تنظر إلى سمسرة أو تجارة أو مصلحة شخصية، أنا ضعيف أمام المواهب عموماً وأمام موهبتك خصوصاً، مهما اختلفت معك، فالمواهب كنوز وآبار نفط بشرية لا يهبها لنا الله إلا على رأس كل مائة سنة والتفريط فيها كارثة كونية، ثم ضحكت، وقلت: بالإضافة إلى أنك دمياطى مثلى، وهذا سبب قِبلى عنصرى!!، أحس بأنك فى المسرح «أسطى أويمجى» لا يُشق لك غبار، تنحت كلماتك ومشاهدك بصبر وأناة الأويمجى، تحفر فى العمق وتزيل الزوائد وتركز على النمنمات واللفات واللفتات، الفكرة عميقة فلسفية، لكنك تلفها بمنتهى الحرفية فى ورق سيلوفان ملون طفولى مبهج، كان الرد هو جملة كتبها فى مقدمة «أربع مسرحيات ضاحكة من شدة الحزن»، قال: «كاتب المسرح عاشق للحياة والدنيا وأعماله فى النهاية هى بطاقات دعوة للناس لكى يشتركوا معه فى حب الحياة ومعاداة القبح»، عرفت بعد ذلك وتأكدت أن الكوميديان البارع حزين مزمن ومكتئب أعظم، كان صوته الجهورى المسرحى ذا جرس موسيقى مهما قهقه بالضحكات، ففى نهاية جملته دائماً دمعة ترغب فى الانفلات والتحرر من أسر الكبت، عاصرت هذا الاكتئاب فى ملامحه قبل أن أتشرف بأن يعرفنى أو يقرأ لى، أثناء هستيريا الهجوم عليه، قرر أن يكسر هذا التجاهل وهذه اللامبالاة وأن يخترق حفل الزار الذى قرر فيه الجميع ذبحه معنوياً، بعدما دق على أبواب كل النجوم ليعرض عليهم مسرحيته: «الكلاب وصلت المطار»، رفضها الجميع، البعض يتأدب مراعياً العِشرة القديمة، والبعض بجلافة وغلظة وقلة ذوق اعتبرها جزءاً من النضال الثورى وخطوة من خطوات تحرير القدس، قرر على سالم أن يقوم ببطولتها مع الفنان إبراهيم يسرى، ولكن المسارح أيضاً أغلقت أبوابها أمامه، لم يجد إلا مسرحاً تختلف نوعية جمهوره تماماً عن نوعية متذوقى فن ومسرح على سالم، العرض كان على خشبة مسرح نجم فى الدقى، دخلت المسرحية وكان الجمهور صفين فقط، معظمهم دخل متخيلاً أنها مسرحية مناظر وإيفيهات والبعض دخلها ليستمتع بالتكييف، أصر على سالم على عرض المسرحية، كان المنطق والحدس البسيط يؤكدان أنها ستفشل وكان يقاوم، رأيته بملابس الممرض الذى كان يؤدى شخصيته فى العرض وغلالة الدمع تنزل على مآقيه مع نزول الستارة، وكأنها تكتب مشهد النهاية فى مشوار تألق وإبداع هذا الفنان الموهوب الرائع، وكأنه كان يريد تمريض المسرح المريض وجعله يُشفى من سرطانه، لكنه فشل فى تلك التجربة، وكُتب على مسرحياته بعد ذلك أن تظل حبيسة الأدراج ينشرها فى مجلات لا تقرأ، وأحياناً يمثلها هواة لا يشاهدهم إلا أهاليهم ومعارفهم.

الآن عرفت سر الشجن الذى كان كريشندو لحن ضحكته المجلجلة، الذى حاول دائماً إخفاءه ولم ينجح.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف تغتال موهبة كيف تغتال موهبة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:13 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
  مصر اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 00:24 2023 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

الأهلي يهدد بتصعيد أزمة الشحات والشيبي للفيفا

GMT 06:06 2018 السبت ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

شاومي تعلن عن حدث في نيويورك بداية الشهر القادم

GMT 23:00 2018 الخميس ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

الشاعِرة سندس القيسي تُصدِر كتابها الشعري الثاني

GMT 03:05 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتفاع أسعار الخضراوات في الأسواق المصرية الجمعة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon