توقيت القاهرة المحلي 18:39:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

طه حسين رائد التنوير

  مصر اليوم -

طه حسين رائد التنوير

بقلم :خالد منتصر

فى ذكرى رحيل رائد التنوير د. طه حسين هل تتذكر عزيزى القارئ اسم الشخص الذى قدم بلاغاً ضد طه حسين وكفّره بسبب كتابه «فى الشعر الجاهلى»؟ بالطبع لن تذكره ولن يذكره التاريخ وسيظل طه حسين خالداً إلى الأبد. هل يذكر أحد حتى من متخصصى الشعر والنقد أسماء من كفّروا المعرى واتهموه بالزندقة؟ بالطبع لا؛ ذلك لأن التاريخ لا يذكر الأقزام وتسقط من ذاكرته أنصاف المواهب وكل المتسلقين على أكتاف العظماء، ولكن ما سيذكره التاريخ باستنكار وتأفف هو أننا سمحنا فى زمن حكم الإخوان بقطع رأس طه حسين فى مسقط رأسه بالمنيا ورأس أبى العلاء المعرى فى مسقط رأسه بمعرة النعمان فى سوريا! إنها ليست مجرد رؤوس تماثيل ولكنها مقدمة لاجتثاث رؤوس تسكنها عقول، ونحن نعرف مدى كراهيتهم للعقل، فهو الذى يفضح كذبهم وتجارتهم الدموية، العقل هو عدوهم المزمن الذى باغتياله صار الربيع العربى خريفاً مقيماً ذابل الأوراق يعادى الشمس والنور والحرية. ليست مصادفة أن قُطع رأسا تمثالى طه حسين والمعرى فى التوقيت نفسه، وليست مصادفة أن تكون رسالة الدكتوراه الأولى لطه حسين عن أبى العلاء، ووقتها طلب عضو من الجمعية التشريعية قطع المعونة عن الجامعة لأنها خرّجت ملحداً يحضر دكتوراه عن ملحد مثله، فهدده الخديو بأنه إن لم يسحب الشكوى سيمنع المعونة عن الأزهر لأن طه خريج الأزهر أيضاً! ليست مصادفة أن تجمعهما أشياء كثيرة مشتركة، فكلاهما أصابه العمى فى الطفولة بعد الجدرى وبعد الرمد، كلاهما سافر طلباً للمعرفة، الأول إلى أنطاكية وحلب واللاذقية وبغداد والثانى إلى مونبيلييه وباريس، كلاهما كان متيماً وعاشقاً للمتنبى، كلاهما اتهم بالكفر، الأول بسبب «رسالة الغفران» والثانى بسبب «الشعر الجاهلى»، وكلاهما تبنى نظرية الشك وطبقها على الشعر الجاهلى.. إلخ، صفات مشتركة كثيرة قادتهما فى النهاية لنفس المصير المشترك بقطع الرأس المتخيل بمعاول كارهى العقل بعد فشل قطع واغتيال أفكارهما الثورية واقتلاعها من رؤوس القابضين على جمر العقل. المعرى هو الذى قال فى العقل «أيها الغرّ إنْ خُصِصْتَ بعقلٍ فاتّبعْهُ، فكلّ عقلٍ نبى»، وقال «يرتجى الناسُ أن يقومَ إمامٌ ناطقٌ فى الكتيبة الخرساء.. كذب الظنّ لا إمام سوى العقل مشيراً فى صبحه والمساء، فإذا ما أطعـته جلب الرحمة عند المسير والإرساء.. إنما هذه المذاهب أسباب لجذب الدنيا إلى الرؤساء»، وطه حسين هو الذى دافع عن الشيخ بخيت عندما حاكمه الأزهر على فتوى إفطار رمضان لمن شعر بمشقة، مطالباً بحق الحرية وحق الخطأ وعدم محاكمة إنسان على رأيه مهما كان هذا الرأى. كيف يموت المعرى وطه حسين وقد خلدهما الشعر؟ الأول بقصيدة شاعر العراق الجواهرى والثانى بقصيدة شاعر سوريا نزار، قال الجواهرى عن المعرى: «قِفْ بالمعَرَّةِ وامسَحْ خَدَّها التَّرِبا/واستَوحِ مَنْ طَوَّقَ الدُّنيا بما وَهَبا/واستَوحِ مَنْ طبَّب الدُّنيا بحكْمَتَهِ/ومَنْ على جُرحها مِن روُحه سَكَبا/وسائلِ الحُفْرةَ المرموقَ جانِبُها/هل تبتَغي مَطْمَعاً أو ترتجي طلَبا ؟/يا بُرجَ مفْخَرةِ الأجداث لا تهِني/أنْ لم تكُوني لأبراج السَّما قُطُبا/فكلُّ نجمٍ تمنَّى في قَرارته/لو أنَّه بشُعاعٍ منكِ قد جُذبا». وقال نزار قبانى عن طه حسين: ضوءُ عينَيْكَ.. أم حوارُ المَـرايا أم هُـما طائِـرانِ يحتـرِقانِ؟ هل عيـونُ الأديبِ نهرُ لهيبٍ أم عيـونُ الأديبِ نَهرُ أغانى؟ آهِ يا سـيّدى الذى جعلَ اللّيـلَ نهاراً.. والأرضَ كالمهرجانِ.. اِرمِ نـظّارَتَيْـكَ كـى أتملّـى كيف تبكى شـواطئُ المرجـانِ اِرمِ نظّارَتَيْكَ... ما أنـتَ أعمى إنّمـا نحـنُ جـوقـةُ العميـانِ أيّها الأزْهَرِىّ... يا سارقَ النّارِ ويـا كاسـراً حـدودَ الثـوانـى عُـدْ إلينا.. فإنَّ عصـرَكَ عصرٌ ذهبـىٌّ.. ونحـنُ عصـرٌ ثانى سَـقَطَ الفِكـرُ فى النفاقِ السياسىِّ وصارَ الأديـبُ كالـبَهْـلَـوَانِ يتعاطى التبخيرَ.. يحترفُ الرقصَ ويدعو بالنّصـرِ للسّلطانِ.. عُـدْ إلينا.. فإنَّ مـا يُكتَبُ اليومَ صغيرُ الرؤى.. صغيرُ المعانى.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طه حسين رائد التنوير طه حسين رائد التنوير



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon