بقلم :خالد منتصر
تولستوى هو وديستوفيسكى أشهر روائيى القرن التاسع عشر فى روسيا والعالم، ولد فى كنف عائلته الأرستقراطية، فوالده كان الكونت نيكولاى تولستوى، أما والدته فكانت الأميرة فولكونسكايا، التى تنحدر من سلالة روريك، أول حاكم فى تاريخ روسيا، تنقل عميد الرواية فى العالم ليو تولستوى فى مدن روسية كثيرة وسكن بيوتاً مختلفة، كنت فى زيارة أحد تلك البيوت أمس التى تقع فى مدينة موسكو، المكتوب عنه فى المتحف، عاش الكاتب فى هذا المنزل ما يقرب من عشرين عاماً، من عام 1882 إلى عام 1901.
تم تجديد المنزل وتأثيثه بناءً على تعليماته الخاصة، لذا فإن زيارة المتحف سترسم صورة كاملة عن حياة ليو تولستوى وعائلته، فضلاً عن أذواقه وعاداته وتقاليده.
بالتأكيد هو متحف للسيرة الذاتية، وفى نفس الوقت مرتبط ارتباطاً وثيقاً بتولستوى ومخصص لأعماله الإبداعية، على عكس العديد من المتاحف الأخرى التى تم إنشاؤها بشكل مصطنع، كل شىء هنا أصلى وأصلى جداً، انتهى المكتوب ولكن الاهتمام لم ينته، الاهتمام رهيب بكل متعلقات صاحب «الحرب والسلام» و«أنا كارنينا»، موظفون كل مهمتهم ألا تلمس شيئاً من الأشياء التى كان يحتفظ بها هذا العبقرى، هناك تذكرة دخول وتذكرة تصوير وسماعات للشرح، وهناك حديقة رائعة تحيط بالمنزل وتضفى عليه لمسات جنة الإبداع، شاهدت ملابسه وأحذيته ودراجته، مكتبه وأوراقه وخطاباته لزوجته وصفحات من مخطوطاته، مخطوطات سيمفونيات لبيتهوڤن وموتسارت، البيانو الذى كان يعزف عليه، أطباق الأكل، سريره ومائدة طعامه، الملاعق والأقلام.. إلخ، كل شىء متروك كما هو، احتراماً للإبداع والفن وجسارة الخيال، تذكرت حينها كيف تعاملنا مع منزل أم كلثوم، فيلا شارع أبوالفدا بالزمالك التى تم هدمها بعد وفاتها!، كيف تعاملنا مع عود بليغ حمدى ومكتبه والبيانو الذى ألّف عليه أجمل ألحانه!، أين مسودات روايات وقصص نجيب محفوظ ويوسف إدريس؟ أين النوَت الموسيقية لألحان عبدالوهاب والسنباطى؟ أين مخطوطات مسرحيات يوسف وهبى وصلاح عبدالصبور؟ أين الأقلام التى كتب بها شوقى وحافظ والعقاد وسلامه موسى؟ أين نظارة العميد طه حسين؟ أين تراث مبدعينا الثرى؟ الاهتمام والحفاظ على متعلقات وذكريات مبدعينا هى رسائل ضمنية للمواطن أن الإبداع ليس رفاهية وأن الفن ليس تفاهة، وأن الفنان يذوب من أجل هؤلاء، يلمس الروح بعصاه السحرية ويصنع الرقى والمتعة بموهبته التى تستحق الاحتفاء والاحتفال، فى تلك البلاد لم يبرعوا فى فن التحنيط ولكنهم ظلوا محافظين على قبى الفن بشكل عام، هم لا يحنطون مبدعيهم ولكنهم ينفخون فيهم روح البقاء والوجود، لا يصبحون مجرد ذكريات، لكنهم يظلون فعّالين ومؤثرين وأحياء.