بقلم :خالد منتصر
الدراما المستمدة من ملفات المخابرات من أهم أنواع الدراما وأكثرها جاذبية، وكنا قد ظننا أن الراحل العظيم صالح مرسى قد أغلق الباب خلفه وصادر كل أفكار الكتابة والتناول لهذا الملف بعد مسلسل «رأفت الهجان» ومن قبله «جمعة الشوان»، لكن جاء مسلسل «العائدون» وأدهشنا وأكد أن مصر ولّادة، ودائماً تدهشنا بالجديد، كتب باهر دويدار مسلسلاً بإيقاع لاهث ومثير، وأخرج أحمد نادر جلال بتقنيات حديثة جعلتنا نرى صورة مختلفة تتناسب مع زمن مختلف عن زمن عرض رأفت الهجان، مسلسل «العائدون» يتناول قضية فى منتهى الأهمية وهى إعادة تدوير النفايات الإرهابية التى ما إن ينتهى دورها فى بلد حتى تبحث كالضباع المتعطشة للدم عن بلد آخر تخربه وتدمره وتجعله أطلالاً.
المسلسل لم يقع فى فخ الأكشن للأكشن، والغرق فى تفاصيل المطاردات والضرب...إلخ، ولكنه تصدى لتحليل ظاهرة تصدير الإرهاب وسيكولوجية العائدين من أراضى الخلافة الداعشية. لم يتناول المؤلف سطح الأشياء ولكنه نفذ إلى العمق واخترق النواة وكشف الخيوط التى تصل المستتر بالمكشوف، باختصار كشف المسلسل أن رب الداعشيين والتكفيريين هو المال، وأن الأفكار التكفيرية ونصوص الكراهية هى مجرد شماعة يعلق عليها هذا التشكيل العصابى الإجرامى جوعه الهستيرى إلى البنكنوت والدولار.
صناديق سلاح وأموال من مافيا دولية تضخ فى شرايين ذلك التنظيم الإرهابى، شبكة جهنمية شيطانية تربط الجميع، واللافتة المعلنة حماية الدين، أما الحقيقة فهى حماية المصالح وكنز المليارات، قبل البنادق سلاحهم هو الرعب والقسوة، قبل الكتب المقدسة مرجعهم هو دستور الدم، قتل الابن لأبيه، حرق المخالف، إعدام المرتد، سبى النساء، عالم كافكاوى مرعب، ومناخ دراكولى دموى.
كل هذه البشاعة يواجهها جهاز المخابرات المصرى بكل ذكاء واحتراف وعشق لتراب هذا الوطن، إنها ليست مطاردات توم وجيرى، ولكنها مطاردات حماية وطن من أنياب ضباع جائعة وذئاب متعطشة، حمايته من العائدين بأفكار عفنة إجرامية، ونفسيات سيكوباتية بليدة الروح، غليظة الإحساس، جلفة المشاعر.
كشف هذا المسلسل عن كم الجهد الذهنى والبدنى المبذول لاصطياد ومنع هؤلاء المخربين الذين يمتلكون هم أيضاً أحدث وسائل الاتصال، تدعمها مليارات الدولارات التى لا تضع سقفاً أو حدوداً لمصادرها، لا تتورع عن الجهاد من خلال بيع المخدرات أو مراهنات صالات القمار.
أنصح من فاته هذا المسلسل بأن يتابعه من خلال المنصة، فهو مسلسل بديع بالفعل، راهنت كل عناصره على النجاح والتميز ونجحت فى الرهان، الفنان أمير كرارة برغم أنه اشتهر بدور الضابط فى عدة مسلسلات، فإنه هنا مختلف ومتميز، كل عناصر التمثيل رائعة ومختارة بعناية، وأود أن أشيد بالفنان هانى رمزى فى دور جديد عليه تماماً غيّر فيه جلده الفنى وأثبت أنه يمتلك أطيافاً أخرى وألواناً أكثر ثراء ما زالت تنتظر الاكتشاف والتنقيب، وأيضاً الممثل الشاب محمد عادل فى دور العميل الذى يجنده «كرارة»، هو مشروع نجم قادم وبقوة، اختيارات اللوكيشن فى المسلسل منحت الصورة فى المسلسل ذائقة غنية. يستحق المخرج أحمد نادر جلال أن يحتل مرتبة متقدمة فى كشف التميز الدرامى لهذا العام.