بقلم :خالد منتصر
تصريح الشيخ على جمعة الأخير والذى استهجن وانتقد فيه تعدد الزوجات يُعد تصريحاً تقدمياً وسط محيط التخلف الذى يفيض علينا كل يوم من دعاة رجعيين متزمتين لهم أتباع بالملايين، وللتوثيق لا بد من أن تعرفوا ماذا قال الشيخ د. على جمعة، قال:
من باب تصحيح المفاهيم وإرساء الحقائق يجب علينا أن نعلم أن الإسلام جاء بالحد من تعدد الزوجات، ولم يأتِ بالدعوة أصالة إلى تعدد الزوجات كما يظن غير المتخصصين، فعن سالم، عن أبيه، أن غيلان بن سلمة الثقفى أسلم وتحته عشر نسوة، فقال له النبى، صلى الله عليه وسلم: «اختر منهن أربعاً» (أخرجه أحمد فى مسنده). من هذا الحديث يظهر لنا أن الإسلام نص على الحد من كثرة عدد الزوجات، وفى المقابل لم يرد أمر لمن تزوج واحدة بأن يتزوج أخرى، وذلك لأن تعدد الزوجات ليس مقصوداً لذاته، وإنما يكون تزوُّج الرجل مرة أخرى لأسباب ومصالح عامة.
فلم يرد تعدد الزوجات فى القرآن الكريم بمعزل عن أسبابه، قال الله عز وجل: «وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِى الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا» (النساء: 3)، فالذين فسروا الآية الكريمة، أو درسوها كنظام إنسانى اجتماعى فسروها بمعزل عن السبب الرئيس الذى أُنْزِلتَ لأجله، وهو وجود اليتامى والأرامل، إذ إن التعدد ورد مقروناً باليتامى، حيث قاموا بانتزاع قوله تعالى: «فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ» دون القول السابق، الذى صيغ بأسلوب الشرط «وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِى الْيَتَامَى» وكذلك دون القول اللاحق، والذى يقيّد تلك الإباحة بالعدل، حيث قال: «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً».
وليس د. على جمعة هو أول من قال بذلك، هناك الشيخ الجليل محمد عبده الذى قال فى دروس تفسيره، التى كانت تُدوَّن فى مجلة المنار: «إن تعدد الزوجات محرَّم قطعاً عند الخوف من عدم العدل»، وقال أيضاً: «من تأمل الآيتين (يقصد فى سورة النساء) علم أن إباحة تعدد الزوجات فى الإسلام أمر مُضيَّق فيه أشد التضييق، وإذا تأمل المتأمل مع هذا التضييق ما يترتب على التعدد فى هذا الزمان من المفاسد، جزم بأنه لا يمكن لأحد أن يربى أمة فشا فيها تعدد الزوجات، فإن البيت الذى فيه زوجتان لزوج واحد لا تستقيم له حال ولا يقوم فيه نظام، بل يتعاون الرجل مع زوجاته على إفساد البيت، كأن كلاً منهم عدو الآخر، ثم يجىء الأولاد بعضهم لبعض عدو، فمفسدة تعدد الزوجات تنتقل من الأفراد إلى البيوت، ومن البيوت إلى الأمة»، وانتقل محمد عبده بآرائه خطوة أكبر وأكثر صراحة حين أباح للمشرع إيقاف تعدد الزوجات، فقال: «أما جواز إبطال هذه العادة فلا ريب فيه.. لأن شرط التعدد هو التحقق من العدل، وهذا الشرط مفقود حتماً، فإن وُجد فى واحد من المليون، فلا يصح أن تتخذ قاعدة، ومتى غلب الفساد على النفوس وصار من المرجَّح ألا يعدل الرجال فى زوجاتهم جاز للحاكم أو العالم أن يمنع التعدد مطلقاً مراعاة للأغلب، ومع سوء معاملة الرجال لزوجاتهم عند التعدد، وحرمانهن من حقوقهن، يجوز للحاكم والقائم على الشرع أن يمنع التعدد وفقاً للفساد الغالب». وأضاف الإمام سبباً قوياً آخر لم يكتب فيه أحد قبله، وهو العداء بين الأولاد من أمهات مختلفات ضرائر، وكيف أن هذا يؤدى إلى أحقاد.ويُلقى الإمام فى النهاية بالفتوى القنبلة فى وجه الجميع قائلاً: «يجوز الحجر على الأزواج عموماً أن يتزوجوا غير واحدة إلا لضرورة تثبت لدى القاضى، ولا مانع من ذلك فى الدين البتة، وإنما الذى يمنع ذلك هو العادة فقط».
المهم، هل نستطيع أن ننتقل بهذه الإضاءات من مرحلة الكلام إلى مرحلة القانون؟!