توقيت القاهرة المحلي 08:26:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

  مصر اليوم -

د جلال السعيد أيقونة مصرية

بقلم:خالد منتصر

قصص النجاح العلمية هى قصص مليئة بالدراما، على قدر ما فيها من نجاحات على قدر ما فيها من إحباطات. صراع وسعى وجهد وعرق ودموع وضحكات وهزائم وانتصارات، هكذا قرأت السيرة الذاتية لأستاذ الأجيال فى طب القلب د. جلال السعيد، الكتاب الذى حكاه وكتبه وقام بالصياغة تلميذه د. علاء عمر، كفاح حقيقى بدأ من طفل معتل الصحة فى المنصورة، نشأ فى بيت يضم ثمانية من الأشقاء، وأب معلم عظيم صارم يهوى الثقافة والأدب وحزب الوفد وجريدة المصرى التى يقرأها له الابن النابه جلال.

بداية إعجابه بالطب كمهنة بدأت مع الحكيم مشرقى الذى كان يعالجه، أُعجب بذكائه وإنسانيته ولطف معاملته، وتمنى أن يصبح مثله طبيباً حكيماً يشار له بالبنان، رسم له القدر مسار كلية الطب بعد أن اختار له مثله الأعلى كلية الزراعة نظراً للفدادين التى توزع على الطلبة فى تلك الكلية وقتها بعد تخرجهم، والثروة التى تنتظرهم، لكنه كان قد اختار الهواية والمهنة التى دخلت فى نسيج الروح وخلايا العقل.

رحل الأب النموذج والقدوة فى إعدادى طب، أحس الشاب جلال السعيد بأنه تائه وبأنه ممسك بسراب بعد هذا الرحيل، حل الشقيق الأكبر محل الأب، فصار الأب والشقيق والصديق، تولاه بالرعاية فى القاهرة، فتفوق وصار ينتظر أن يصبح جراحاً يمتلك المشرط السحرى، إلى أن قابل الأب الروحى الثانى الأستاذ عبدالعزيز الشريف، هذا الرجل الذى حفر وشماً علمياً وإنسانياً على جدار الروح، وصار بسببه طبيباً للقلب.

كان طب القلب فى زمن الستينات طباً بدائياً، يحتاج إلى وسائل التكنولوجيا المساعدة لكى ينهض وينافس، كان د. جلال على شفا الإحباط، لم يطبطب على روحه المتعبة المنهكة سوى يد د. الشريف، ويد رفيقة الدرب العظيمة د. عبلة المشد.

تعطشه للعلم ولتطوير أدواته وزيادة حصيلة معارفه جعله يراسل جامعات أمريكا، لم يصبه اليأس، وكان واثقاً من أن القدر سيحقق له حلمه، وصله الرد من «ماكنمارا»، أكبر أساتذة القلب هناك، وكان ميعاده مع ذلك الاختراع العجيب الذى كان حلماً مستحيلاً آنذاك: «القسطرة».

تعلم د. جلال السعيد كل فنون وأسرار القسطرة من أباطرة وآباء هذا العلم وتلك المهارة، وصار خبيراً بأسرارها ودروبها، أُعجب به الأساتذة الأمريكان، عرضوا عليه استكمال الطريق فى بلاد العم سام، وتحقيق الحلم الأمريكى، والعيش فى الفردوس الهوليوودى، خاصة أنه كان قد سافر وأجواء هزيمة 67 تكبل أرواح المصريين وتحسسهم بالخذلان والانكسار هناك، لكن جلال السعيد تمرد على الهزيمة وقرر التحدى، وعاد إلى مصر، وبعد رجوعه بشهور تحقق نصر أكتوبر 73، وكأنها مكافأة السماء على وطنيته وإيمانه ببلده وبمصر التى ظل على الدوام مؤمناً بقدرتها على النهوض، وبأنها من الممكن أن تمرض لكنها لا تموت.

بدأت رحلة د. جلال السعيد المضنية والشيقة فى النهوض بقصر العينى فى مجال طب القلب، وامتد تأثيره وامتدت أياديه البيضاء لتنعم التخصصات الأخرى بفوائد اختراع تكنولوجى آخر وهو السونار الذى أفاد أقسام الجهاز الهضمى والنساء... إلخ، أشرف على مركز focus الذى خصص له طابقان فى قصر العينى، وصار معلماً حضارياً وصرحاً علمياً نتيجة الجهد الجبار الذى بُذل للحصول على منحة كانت لها شروط فى منتهى الصعوبة، لكن د. جلال وفريقه استطاعوا تذليل تلك الصعوبات، لم يغفل د. جلال فى كتابه ذكر الأساتذة الذين ساعدوه على استكمال حلمه المهنى العظيم وإنجازاته الرائعة، د. محمود خيرى ود. إبراهيم بدران أستاذَى الجراحة العظام، ود. عبدالعزيز الشريف ود. على سرور وكل أساتذة الباطنة والقلب الذين ساندوه فى بداية صعوده السلم، علمياً وإنسانياً، حتى تلامذته يشكرهم فى نهاية الكتاب.

مفتاح هذا الكتاب وتلك الرحلة يتلخص فى كلمة واحدة «الشغف»، هو إنسان مهموم بالعلم وتحصيل العلم ومتابعة الجديد، وهو فى الثمانين اهتم بمرض نادر فى الأطفال اكتشفه طبيب يابانى، ظل يبحث ويراسل، وقاده الشغف لاختيار أحد تلاميذه لعمل رسالة دكتوراه عن مدى انتشاره فى مصر! إلى هذه الدرجة وصل الشغف بالأستاذ، الشغف صار الدينامو الروحى لهذا الطبيب الذى استعاد صفة الحكيم ونفخ فيها الروح من جديد، كل الحب والتقدير والاحترام والإجلال للأستاذ جلال السعيد الذى أسعدنا جميعا.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

د جلال السعيد أيقونة مصرية د جلال السعيد أيقونة مصرية



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon