بقلم :خالد منتصر
فى عيد الحب نبحث عن أجمل رسائل الغرام، فنجد على رأس القائمة الرسائل المتبادلة ما بين «جبران ومى»، القائمة طويلة، لكن تلك الرسائل لها سحر خاص، لكن الحقيقة هى أن من امتلكت قلب «جبران» بشدة كانت مارى هاسكل، والقصة طويلة والأسباب كثيرة لا يستوعبها عمود صحفى، يلخصها مثلنا الشعبى «البعيد عن العين بعيد عن القلب»، اخترت لكم من مذكرات «هاسكل» لحظة إعلانها استحالة الزواج، وهى لحظة درامية متفردة، تقول «هاسكل»: «قضى خليل جبران الليلة هنا، أخبرنى أنه يحبنى، ولو استطاع لتزوجنى، لكنى أخبرته أن سنّى تجعل الأمر غير مطروح للنقاش أصلاً».
قال: «حينما أحاول مجاراتك فى الحديث، أجدك تفلّين هاربة إلى مناطق بعيدة لا أستطيع إتيانها، ولكنى أحملك معى»، أجبته بأننى أريد أن أحفظ صداقتنا آمنةً من فساد قد يعتريها إثر علاقة حب ضعيفة غير حقيقية، فى اليوم التالى، فى ظهيرةٍ كان قد قضى «خليل» بعضها هنا، أخبرته بأننى موافقة.
لكن بعد تلك الليلة، وفجأة اتخذا قراراً بعدم الزواج، وكان الداعى الرئيسى من وراء ذلك القرار ذلك الذى تُعبر عنه «هاسكل» بشاعرية فى أبريل من العام 1911، وفى منتهى الرومانسية والنبل كتبت:
لاح لى أن اللحظة الحالية هى التى يوشك أن يُطل فيها «خليل» على العالم الذى سيبادله الحب والإعجاب، والذى على «خليل» حينها أن يسقيه ويغدق عليه من فيض إبداعه، وأنا أرى أن هذه اللحظة من المستقبل قريبة جداً الآن، ولذا قررت أن أتبع ما بدا لى كقدرٍ محتم قضاه الله علينا، ولقد وضعت عن نفسى كل أمنية فى أن أكون زوجته، وعلى الرغم من أننى قد قضيت كل ساعة كنت واعية فيها فى دموع تسكبها روحى، إلا أننى أعلم أننى على صواب، وأن دموعى هنا هى دموع فرح، لا آلام، أستشرف بها المستقبل.
فى اليوم التالى أبلغت «هاسكل»، «جبران» بقرارها الحازم تدعّمه أفكارها، والمتردد تتضارب فيه عواطفها، وقالت له: «يتوق قلبى إلى التفريط ويميل، ولكنى أعلم أن الثبات هو قرارى الأخير»، وصفت «هاسكل» شعوره فى مذكراتها قائلة: «لقد بكى وانتحب، وناولته منديلاً، لكنه لم يتفوه بكلمة فى بداية حديثى، وقد توقفت عن الحديث مراراً بينما أحاول إخباره بقرارى، قال لى مُنكسراً: «مارى، تعلمين أننى سأصبح فى حالة لن يمكننى عندها الحديث والردّ»، ولم يزد بحرف، كان تعليقه الوحيد عن حبه لى، عندما فرغ الحديث مددت ذراعى إليه، وقد مد هو ذراعيه فاحتوانى، ولصار القلب حطاماً لو عَدِم العزاء والمواساة، عندما تأخر الوقت، ألصقت راحة يده اليمنى إلى شفتى، حينها استجابت الدموع للنداء أخيراً، فاقترب منى، قبّلت يده كما تمنيت طويلاً، وقد ترددت مراراً فى فعل ذلك، فقد علمت أن لمسة طفيفة كتلك كانت قادرة على تحريك مشاعره، أجابته القبلة نيابة عن قلبى.. بكيت قليلاً مرة أخرى عند الباب، وقد ظلّ يحاول محو آثار دموعى ولم يزد عن قول: «مارى - مارى - مارى»، وبينما يرحل قال محاولاً أن تتضح جملته قدر ما يستطيع: «لقد أنبتِّ لى قلباً جديداً الليلة».
هطلت دموعى فور أن ذهبت للنوم، بدا الأمر فجأة كما لو أن طاقة عظيمة من السلام والنور قد انبلجت -وقد بدونا أنا وهو من داخلها- ولذلك بكيت، «شكراً لك، يا الله، شكراً لك!» مراراً وتكراراً، كانت سعادة تغمرنى، أدركت أننى قد فرطت فيه، لكن تفريطى لم يفرقنا، وإنما قرّبنا أكثر فأكثر.