بقلم - خالد منتصر
من حق كل مواطن أن تكون له تحفّظات، ومن حقه أن يطرح اقتراحاته لآليات الانتخاب التى يراها مناسبة من وجهة نظره، لكننى لست مقتنعاً بما أعلنه البعض أن الوقت قصير لجمع التوكيلات، لأنه من المفروض أن الكل يعلم أن ٢٠٢٤ هى بداية فترة الرئاسة الجديدة، ولا بد أن مصر فى بدايتها ستكون قد عرفت من هو الرئيس من بين المرشحين، بغض النظر عن أسمائهم، هذا العنوان العام الذى ملخصه أن هناك انتخابات ستُجرى معروف منذ سنوات، وموضوع التوكيلات ليس مفاجأة، والمفروض أن النخبة عرفت وتعرف هذا الأمر جيداً، وإعلان الهيئة الوطنية للجدول الزمنى، سواء لفترة فتح باب الترشّح والانتخابات أو الإعادة أو الصمت وعدم الدعاية.. إلخ، هو معروف مسبقاً أنه سيحدث، لكن تحديد الأيام هو الذى كان مؤجلاً، والذى لن يفرق ألبتة مع النخبة التى ستختار مرشحها، لذلك ولتلك الأسباب أنا غير مقتنع بأن الفترة للتجهيز ليست كافية، فأنا رجل مقتنع بالمنهج العلمى فى التفكير، ولا أريد أن يحكم تفكير الصدفة وعدم التخطيط حياتنا، فالطالب المذاكر المجتهد يعرف ميعاد امتحانه مسبقاً، ولا يصحو قبلها بأسبوع شاكياً أن الامتحان باقٍ عليه سبعة أيام!
أنت تجهز نفسك طوال العام لهذه المسئولية وتخطط لعبور هذا الامتحان، إذا كنت تريد خوض غمار السياسة والانتخابات، وأنا شخصياً لا أجيد أداء مهمة السياسى، ولم أحصل على منصب أو أسعى إليه فى أى عصر، ومقتنع بدورى الفكرى والثقافى والتنويرى، لكننى أخاطب رجل السياسة، إذا كنت تريد اقتحام الساحة والترشح لا بد أن تكون مستعداً، ولك رصيد فى الشارع، وإلا فتنحَّ جانباً، فعدد ٢٥ ألف توكيل من الممكن أن يكون عدد سكان قريتك، فإذا كنت لا تستطيع تجميع ٢٥ ألف توكيل من قريتك والقرى المجاورة أو الحى الذى تقطنه، فماذا عن حكم وطن بأكمله؟!
إذا كنت لم تراكم طوال حياتك أى رصيد سياسى أو جماهيرى أو شعبى يقنع جمهور مدرج فى استاد القاهرة، فكيف ستُقنع مائة مليون؟! النخبة تجلس فى الساحل أو فى جبال لبنان أو فى ربوع إسطنبول ثم تستيقظ على جرس منبه الانتخابات فجأة، وتظل تشكو من ضيق الوقت، هناك من قدّم برنامجاً انتخابياً من المعارضين، مثل الأستاذ فريد زهران، وهو جهد محترم أن تقدم ملامح برنامجك وماذا ستقدم؟، لكن أين البرامج الانتخابية الأخرى؟ المنافسة الحقيقية وحتى الشرسة مكسب لنا كوطن وكمجتمع، ولابد أن تكون بين رصيد له قسمات وملامح وإنجاز وعمل وجهد ورصيد آخر له قسمات وملامح وعمل وجهد، لكن من يشكو ضيق الوقت فى الجدول الزمنى، قبل أن يصرخ بالشكوى لا بد أن يسأل ويواجه نفسه، هل أنا اشتغلت فى الشارع، ورسمت برنامجاً انتخابياً فيه من التفاصيل ما يجذب الناس ويصدقون إمكانية تنفيذه؟ وإلا فليغادر الساحة ويسمح لمن هو أكثر كفاءة بأن يحاول ويترشح ويسعى للنجاح.
نحن ندخل الانتخابات فى ذكرى مرور مائة سنة على أول انتخابات نيابية فى يناير ١٩٢٤، والتى اكتسح فيها «الوفد» بقيادة سعد زغلول الانتخابات، وحصل على 195 مقعداً فى مجلس النواب، لماذا؟ لأن سعد زغلول كان له رصيد ضخم فى بنك محبة المصريين، ويستطيع جمع مليون توكيل وليس ٢٥ ألفاً فقط، عندما تترشّح للرئاسة لا بد أن تتجاوز قدراتك وجهودك وإنجازاتك حدود بيتك وشارعك، بل ومدينتك ومحافظتك، فأنت ستُمثل وطناً بأكمله، هى ليست مجرد تستيف أوراق ستُقدمها فى الميعاد وتجتاز فحص اللياقة الصحية، فلا بد أن تكون قد اجتزت اختبارات اللياقة السياسية أولاً، كل الأمنيات بالتوفيق للجميع.