توقيت القاهرة المحلي 11:34:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دروس سانت بارتيليمي

  مصر اليوم -

دروس سانت بارتيليمي

بقلم - خالد منتصر

أمس كنت أشاهد لوحة «سانت بارتيليمى» وتذكرت أشهر مذبحة دينية فى تاريخ أوروبا، مذبحة أو مجزرة «سانت بارتيليمى»، التى وقعت أحداثها فى فرنسا سنة ١٥٧٢، وتمنيت لو علق كل إنسان تلك اللوحة على جدران بيته أو وضعها على «الديسك توب» للكمبيوتر أو المحمول، فبرغم أنها لوحة مليئة بالدم والجثث، ولا تحمل جمال منظر طبيعى أو جاذبية بورتريه امرأة فاتنة، فإنها لوحة تصرخ فينا كل لحظة، ها هى العلمانية التى صارت كلمة سيئة السمعة فى عالمنا العربى، أنقذت وما زالت تنقذ وكانت دوماً طوق النجاة لأوروبا وللغرب، هى التى صنعت مجدها وتقدمها الحالى.

عندما تخلصت سفينة أوروبا من أحمال وأعباء الفاشية الدينية، استطاعت أن تبحر إلى حيث شاطئ النور والأمان، لكن ما هى تلك المذبحة؟ وما هى ملابساتها؟ سنحكى لمحات من أحداثها معتمدين على ما وثقه أكثر من كتاب مهم عن معركة التنوير والأصولية فى أوروبا، وعلى رأسها كتاب هاشم صالح، الحكاية بدأت بحفل زفاف فى القصر الملكى بباريس، تمت دعوة زعماء البروتستانت إليه، وانتهى زفاف الدم هذا بأن انقض عليهم الجنود الكاثوليك ومزقوهم بسيوفهم، وهم يغطون فى النوم! ولكن هل اكتفى القتلة بالزعماء فقط؟ إنها ساقية الدم التى ما إن بدأت فى الدوران فلن تتوقف، انتابت الكاثوليكيين فى شوارع باريس نوبة هياج هستيرى، وصار كل من يصادفه أى بروتستانتى فى الشارع سواء امرأة أو عجوز أو طفل يقتله ويذبحه، لا تفرقة ولا رحمة.

امتد القتل من الشوارع إلى البيوت التى اقتحمت، بلغت الحصيلة فى ثلاثة أيام فقط ثلاثة آلاف قتيل، اشتعلت النار فى المدن الأخرى وامتدت خارج باريس، صار الثأر كرة بنزين معلقة فى ذيل قط مذعور داخل حقل قمح مشتعل، صارت بوردو وتولوز وروان.. إلخ ساحات إعدام للبروتستانت، ارتفع الرقم إلى ثلاثين ألف قتيل، وقد هنأ البابا جريجوار الثالث عشر ملك فرنسا على هذا العمل الجليل، الذى أدى كما قال إلى استئصال «طاعون الزندقة» من مملكة فرنسا الطاهرة، وتلقى الخبر بصفته علامة على عناية الله ورحمته، واشتعلت الحروب الأهلية وبلغت ذروتها فى عصر لويس الرابع عشر، الذى أمر بسحق البروتستانت إذا لم يعتنقوا الكاثوليكية، وكانت النتيجة هجرة ستمائة ألف بروتستانتى، وكان تعليق بوسويه زعيم الأصولية الكاثوليكية مخاطباً لويس الرابع عشر: «لقد ثبت أركان الإيمان يا جلالة الملك واستأصلت الهراطقة، وهذا هو أكبر عمل جليل يحصل فى عهدك، فبك زالوا واندثروا، والله وحده أتاح لك هذا الإنجاز الذى يشبه المعجزة، يا ملك السماء احفظ لنا ملك الأرض»، لكن هل الأمر كان متعلقاً بطائفة أو عقيدة بعينها؟ الإجابة بالطبع لا، أى دين أو عقيدة تلعب سياسة وتقحم السماء فى شئون الأرض ستنتهى إلى نفس النفق المعتم، ففى إنجلترا حدث العكس، المهرطقون صاروا هم الكاثوليك، وصار الله مع البروتستانت ضدهم فجأة.

وكانت مجزرة «دروكهيدا» الأيرلندية هى الفوتوكوبى لمجزرة سانت بارتيليمى، فى سبتمبر ١٦٤٩، عندما وصل كرومويل بجيوشه أمر بقتل الكاثوليك، وعندما قيل له من الممكن أن يكون بينهم مؤمنون، كان رد كرومويل «اقتلوهم جميعاً، فالله يعرف عباده الصالحين»!! صار هو المتحدث الرسمى باسم الله، قتل فى تلك الحملة ما لا يقل عن نصف مليون كاثوليكى أيرلندى فى دوركهيدا فقط، وتم حرمان أى كاثوليكى من أى وظيفة ما عدا الطب!!

وتم منعهم من تدريس عقيدتهم، ومنعوا من امتلاك أى سلاح أو حصان يزيد ثمنه على خمسة جنيهات! قام فولتير بعمل إحصائية تقريبية لضحايا القتل والحرق والشنق باسم الله فى أوروبا، فوجدهم تسعة ملايين وأربعمائة وثمانية وستين ألف شخص، كلهم ذبحوا قرباناً للرب، إنها قصة احتكار السماء التى دوماً تنتهى بنزيف الأرض، فهل نستوعب الدرس؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دروس سانت بارتيليمي دروس سانت بارتيليمي



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon