بقلم - خالد منتصر
معرض أبوظبى للكتاب من أهم معارض الكتب العربية، لذلك فإن ترشيح نجيب محفوظ لكى يكون شخصية المعرض لهذا العام له دلالة كبيرة، قال مسئولو المعرض: «تحتفى دورة هذه السنة بالروائى المصرى نجيب محفوظ «الشخصية المحورية» لهذا العام، وبمصر كضيف شرف، وما قالوه باختصار إن اختيار الروائى المصرى نجيب محفوظ «الشخصية المحورية» للمعرض هذا العام، يأتى بوصفه أول أديب عربى يحصد جائزة نوبل فى الأدب عام 1988، وقد أسهمت مؤلفاته التى ترجمت إلى معظم لغات العالم فى إثراء المكتبة العربية، ولفت الأنظار إلى مكانة الرواية العربية وحضورها فى ميدان الإبداع الأدبى، هذا ما قيل عن نجيب محفوظ الذى لا يحتاج لتقديم أو شرح، فيكفى أنه نجيب محفوظ.
تقدم منصة «اقرأ لى» بالتعاون مع ديوان للنشر أيضاً عرضاً خاصاً لزوار المعرض، بمناسبة الاحتفال بالأديب العالمى نجيب محفوظ، الشخصية المحورية للمعرض هذا العام، إذ يمكن لزوار المعرض الاستماع إلى أعماله المتوفرة على تطبيق «اقرأ لى» مجاناً خلال فترة المعرض، وهذه فكرة ذكية لجذب الشباب إلى عالم نجيب محفوظ، لكن لماذا نجيب محفوظ هو الأعظم؟ أسباب كثيرة تجعله الأعظم والأفضل والأهم، أولها أن لديه مشروعاً روائياً متكاملاً، فهو الأغزر إنتاجاً من دون أى تنازل فنى، الأعظم لأن الفلسفة التى سكنته منذ أن كان فى كلية الآداب كانت أحجار بناء فكره الروائى، وكان النفس الفلسفى المتسائل المتشكك دائماً خلف السطور.
هو الأعظم لأنه ابن بار لفترة التنوير المصرية وظل ابناً لسلامة موسى ولطفى السيد وطه حسين وثورة ١٩ حتى النفس الأخير، الأعظم لأنه ظل مخلصاً لفن القص والحكى والرواية ولم يستهلك موهبته فى كتابة المقالات الصحفية، التى تستنزف معظمنا، فنصبح جميعاً خونة لموهبة الكتابة الفنية التى لا تقبل «ضرة»، الأعظم لأنه ظل موظفاً عند فنه طوال عمره، يدخل إلى مكتبه كل يوم فى نفس التوقيت ليكتب أو يستعد للكتابة أو ليقرأ أو ليتأمل، لكنه نفس الطقس اليومى، حتى إن صديقه محمد عفيفى أطلق عليه اسم رجل الساعة.
الأعظم لأنه كان متواضعاً وقبل أن يكون تلميذاً عند صلاح أبوسيف الذى علمه فن السيناريو، لم يفرد عضلاته قائلاً أنا نجيب محفوظ، فمن هذا الذى سيعلمنى الكتابة؟ الأعظم لأنه بعد محاولة الاغتيال عافر وكتب أحلام فترة النقاهة بكل عمقها الفلسفى وبساطتها الآسرة.
الأعظم لأنه أهدى من حاول اغتياله مجموعة رواياته ليقرأها فى السجن ويتعرف على مَن حاول قتله دون أن يقرأ له حرفاً، الأعظم لأنه من كبار الساخرين المصريين وظرفاء المحروسة، والسخرية لو تعلمون من أهم معايير ومقاييس الذكاء.
الأعظم لأنه برغم ندرة سفرياته ورحلاته خارج مصر، فإنه استوعب ثقافات العالم وهضمها وهو فى غرفة مكتبه، ولأنه قرر أن تكون كل آرائه السياسية على صفحات رواياته، لأنه يدرك أن الفنان الحقيقى فى العالم الثالث لا بد أن يحتفظ بمسافة بينه وبين السلطة.
الأعظم لأنه كان بسيطاً متسامحاً، حتى نزواته لم يتعالَ عليها واعترف بها ولم يصنع لنفسه تمثالاً من تقوى مزيفة أو ورع مصطنع، الأعظم لأنه مصرى حتى النخاع، لم يطرق باب أمير أو سلطان أو رجل أعمال، بل هم الذين طرقوا بابه، وظل حتى النهاية يأكل من عرق جبينه ومداد قلمه، يكفى أن نقول نجيب محفوظ لنعرف مَن هو الأعظم.