توقيت القاهرة المحلي 20:50:16 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عيد ميلاد داروين

  مصر اليوم -

عيد ميلاد داروين

بقلم - خالد منتصر

احتفل العالم، اليوم ١٢ فبراير، بعيد أو يوم ميلاد تشارلز داروين رقم ٢١٥، عيد ميلاد سعيد يا داروين يا عبقرى، يا من غيّرت تاريخ الدنيا وصدمت عقل الإنسان القاصر، يا أعظم عالم فى تاريخ علم البيولوجيا.

والمدهش أن مناهج وزارة التربية والتعليم ما زالت لا تؤمن حتى الآن ولا تعترف بنظرية التطور، مَن يكرهون داروين يجب ألا يتناولوا المضاد الحيوى ويجب أيضاً أن يمنعوا أى فرد من عائلتهم من تناول الأنسولين، وذلك لسبب بسيط وهو أن هذين الدواءين السحريين نتاج لفهم نظرية التطور التى صارت حقيقة علمية تثبتها الدلائل يوماً بعد يوم، ولولاها ما تقدم الطب ولا علم البيولوجيا، وما ظهر فرع فى الطب اسمه الطب التطورى يعتمد على ملاحظات داروين.

ونداء إلى أى فرد يعتبر نفسه مثقفاً، إذا كنت قد قرأت جميع مسرحيات شكسبير وروايات ديستوفيسكى ونجيب محفوظ وقصص تشيكوف ويوسف إدريس وحفظت كل أشعار المتنبى وطاغور وإليوت وجوته فأنت ما زلت، للأسف، نصف مثقف بلغة هذا العصر، لأنك تجاهلت نظرية التطور، وإذا لم تضم مكتبتك كتاب «أصل الأنواع» لداروين فمكتبتك ما زالت مكتبة فقيرة تعانى من الجفاف والأنيميا حتى ولو اكتظت رفوفها بمئات الآلاف من المجلدات!

إنه الكتاب الصدمة، ثورة ما بين غلافين، ثورة كان سلاحها الحبر والورق، والأهم سلاح الفكر المتحرر من البديهيات المسبقة، الإبداع الذى لا يعترف بصدق الفكرة إلا من خلال عدد الأدلة العقلية التى تؤيدها وتثبتها وليس من خلال عدد البشر الذين يعتنقونها، سلاح الجسارة والجرأة والاقتحام من عبقرى اسمه تشارلز داروين.

فى ٢٤ نوفمبر ١٨٥٩، صدر كتاب «أصل الأنواع»، عنوان الكتاب صعب ومعقّد «أصل الأنواع، نشأة الأنواع الحية عن طريق الانتقاء الطبيعى أو الاحتفاظ بالأعراق المفضلة فى أثناء الكفاح من أجل الحياة»!!

عنوان طويل اضطر داروين إلى كتابته بالتفصيل وكأنه يعتذر بتوضيح فكرته على الغلاف عما سيُحدثه من صدمة لعقول القراء. حجم الكتاب ضخم، ٥١٦ صفحة، ورغم العنوان الطويل والحجم الضخم نفد الكتاب من أول يوم، ١٢٥٠ نسخة تخاطفتها الأيدى فاختفى من المكتبات.

الوحيد الذى لم يفرح بهذا الانتشار كان داروين نفسه، فقد ظل أكثر من عشرين سنة يفكر ويتراجع ويتريث ويقدم رجلاً ويؤخر الأخرى ويسأل نفسه: هل أُقدم على هذه المغامرة، هل أنشر فكرتى الصادمة وأخرج عن النص وأغرد خارج السرب وأشرد عن القطيع، وأجمع دلائلها وشواهدها فى كتاب؟

كان داروين طيلة هذه الأعوام يعانى من الأرق وآلام المعدة والصداع المزمن فى بيته الريفى المنعزل فى «كنت»، كان يسأل نفسه: «هل تستحق فكرتى كل هذا العناء وهذه المشقة؟».. تركت دراسة الطب، ثم تركت دراسة اللاهوت، ثم ذهبت فى مغامرة بحرية وعمرى ٢٢ سنة لمدة خمس سنوات على متن سفينة «البيجل»، يدفعنى الفضول وتستهوينى الأجنحة والمناقير والقواقع والأصداف.

لم يكن داروين يعلم أنه يصنع تاريخاً جديداً من خلال هذه المناقير والأجنحة والحفريات!!

علّمته دراسة الأحياء والحفريات أنه مهما كانت قوة العواصف والأعاصير فإن الكون لا بد أن يحتفظ بجزء من الحقيقة، ولو على سبيل الذكرى، ولو بعد ملايين السنين.

كان واثقاً، رغم عاصفة الهجوم والسخرية، من أن التاريخ سيُنصفه، وأن الكنيسة ستعتذر له، وأن علم البيولوجيا الجديد سيقوم على أكتافه وسيولد من جديد من رحم أفكاره الثورية، وأن كل مريض زُرع له كبد أو قلب أو تم إنقاذه بدواء أو جراحة مدين لفكرة التطور العبقرية التى أهداها لكون يحارب الجديد، ويعاند التطور، وينتشى ويستلذ بالاستقرار، والمدهش أنه كتب بجانب شجرة الحياة التى اقترحها ورسمها فى كتابه «أنا أعتقد».

وكانت هذه العبارة هى كلمة السر وشفرة الخلود فى منهج التفكير العلمى، فهو لم يمارس الكهنوت ولم يقل «أنا متأكد من خلال نصوصى المقدسة»، ولكنه مارس الاعتقاد الذى يحتمل الصح والخطأ وليس الحرام والحلال، وكان يردد: «إننى لأرى على وجه اليقين أن كثيراً جداً من كتابى سيسقط، ولكنى آمل أن يظل العمل فى مجمله باقياً على مرِّ الزمن»، كان يعرف أن فكرته ما زالت تحتاج إلى كثير من التفاصيل لملء فجواتها.. والمدهش أن العلم ما زال فى كل لحظة يُهدى داروين مزيداً من التفاصيل التى تؤيد نظريته وتجعل منها حقيقة علمية فى منزلة كروية الأرض ولها نفس المصداقية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عيد ميلاد داروين عيد ميلاد داروين



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon