توقيت القاهرة المحلي 19:05:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اكتئاب السندريلا

  مصر اليوم -

اكتئاب السندريلا

بقلم - خالد منتصر

فى ذكرى وفاة سعاد حسنى ما زال البعض يصرون على التأكيد أنها ماتت مقتولة، بل ومنهم من يصر على إعادة تشريح الجثة، وكأن انتحار المكتئب حدث نادر ومستحيل!، ومع كامل الاحترام لوجهة نظرهم إلا أن سعاد حسنى عاشت مكتئبة وماتت منتحرة، يعنى المسألة فى غاية البساطة والوضوح ولا تحتاج لكل هذا اللغط والضجيج، والعيش فى الوهم وادعاء وجود مؤامرة سرية من صديقتها نادية يسرى، أو جريمة قتل من الموساد.. إلخ، أو النكتة الكبرى أن هناك شخصيات كبيرة فى مصر خائفة من كتابة مذكراتها وإفشاء أسرارهم!. كل ما سبق ينتمى إلى عالم الكوميديا ولا يصمد لأى مناقشة موضوعية، وسببه الأساسى هو رفض المجتمع لقبول فكرة أن المكتئب المنتحر هو شخص مريض وليس بنى آدم يائساً كافراً ملفوظاً من المجتمع ومداناً من الناس وخارجاً عن الناموس والشرع ومطروداً من الجنة!، والسندريلا كان من المعروف أنها تعانى اكتئاباً شديداً، فهى شخصية مهيأة لذلك، وجاءت الظروف الضاغطة كعامل مساعد لكى تفجر بركان الاكتئاب عندها وتوصلها إلى درجة الانتحار، ومفتاح فهم مشكلة السندريلا كان فى رسالة الأنسر ماشين التى تقول «أنا زوزو..»، هى ما زالت تعيش نفسياً فى مرحلة زوزو الرشيقة المتألقة معبودة الشباب، ولكنها جسدياً تعيش خريف المرض والبدانة والاختفاء عن العيون فى ضباب لندن حيث الهروب من أعين المتطفلين الذين كانوا فى الماضى «المعجبين»!، هذا الصراع القاسى بين النموذج والواقع، وتناقض صورة المجلات الفنية والأفيشات مع صور المرايا والأشعات، جعل السندريلا تعيش مرحلة قاسية لمريضة اكتئاب بعيدة عن بلدها ودفء أهلها، تحتضنها صديقة مهما كان عليها علامات استفهام إلا أنها فتحت بيتها لها فترة طويلة، فلماذا تفكر فى قتلها، يكفى أن تطردها فقط، خاصة أنها لم تكن مليونيرة!، تعانى من الجفوة والإنكار وسخرية الصحافة التى وصفتها فى مقالة شهيرة بالهمجية وهى التى كانت يوماً ما الملكة المتوجة على عرش قلوب شباب مصر المحروسة، فضلاً عن فقدانها لأبيها الروحى صلاح جاهين الذى انتحر هو الآخر!، كل ما سبق ألا يؤدى بمريضة مكتئبة لا تواظب على الأدوية وليست تحت رعاية طبية كاملة إلى الإقدام على الانتحار، أعتقد أن المقدمات تؤدى بشكل شبه قدرى إغريقى إلى نتيجة واحدة؛ هى ما حدث من انتحار سعاد حسنى والذى انتهت إليه تحقيقات سكوتلانديارد والمحاكم الإنجليزية. كنت وقتها قد حملت تساؤلاتى إلى د. أحمد عكاشة أستاذ الطب النفسى والرئيس السابق للجمعية العالمية للطب النفسى، وطلبت منه إجابة مباشرة عن سؤال محدد: هل مريض الاكتئاب الجسيم المنتحر كافر؟، ورد الدكتور عكاشة بحسم وبدون تردد: لا.. ليس كافراً، وحكى لى د. عكاشة أنه كان فى ندوة مع شيخ الأزهر والبابا شنودة حول القتل الرحيم، وجاءت سيرة المكتئب المنتحر، واتضح أن فهم مرض الاكتئاب يشوبه بعض الغموض والخلط عند رجال الدين، وقال د. عكاشة إنه وضح لهما أن مريض الاكتئاب المنتحر غير مستبصر وغير مدرك وغير مقدر لعواقب الأمور، إنه على حد تعبير د. عكاشة مريض فاقد الأهلية، فكيف نحاسبه على هذا التصرف ونكفّره بدعوى أنه يائس من رحمة الله!.وعندما سألت د. عكاشة عن الدفع الذى يقوله المدافعون عن نظرية قتل سعاد حسنى بأنها كانت تأخذ العلاج فكيف تنتحر؟، قال مؤكداً أن بعض العلاج من الممكن أن يستعيد من خلاله المريض وبجلسات الكهرباء مثلاً قدرته على النشاط الحركى والتواصل، ومن الممكن أن يزيد استبصاره بعض الشىء، ولكن ما زال محتوى المريض الفكرى عاجزاً، وبعدما كان لا يستطيع حركياً الإقدام على شىء من الممكن جداً بعد هذا العلاج أن يقدم عليه، ومن الممكن جداً أن ينتحر وهو تحت العلاج، ولذلك لا يعد تناول سعاد حسنى العلاج دليلاً على أنها لم تنتحر، والدليل على عدم صحة ادعاءات أن العلاج الجزئى يمنع الانتحار تماماً هو حادثة انتحار الروائى الأمريكى أرنست همنجواى الحائز على جائزة نوبل، الذى كان فى المستشفى وتعرض لأربع جلسات كهرباء وخرج لينتحر بالبندقية، إذن شفاء وتحسين الهبوط الحركى لا يستلزم بالضرورة تخفيف وشفاء محتوى الاكتئاب.من الأرقام الصادمة أيضاً أن 15% فقط من مرضى الاكتئاب هم الذين يأخذون العلاج المناسب بالمدة المناسبة وبالكمية المناسبة، ومعظمهم يتعامل مع طبيب الباطنة العامة الذى يمضى معه إلى ربع الطريق من خلال طرق فرعية جانبية لا تصل إلى الهدف مباشرة، ولذلك تزيد نسب الانتحار حيث لا تنفع معه نظرية «نصف العمى أفضل من العمى كله!».إن ما يحدث مع قضية انتحار سعاد حسنى هو تلخيص لطريقة تفكير شعوب تتعامل مع مريض الاكتئاب على أنه مجرم، والمريض النفسى على أنه مجنون، والعلم على أنه تحدٍ للمقدسات، إننا لا نشجع على الانتحار ولكن نناقشه بطريقة علمية حتى نفهمه، ونفهم معه لماذا وصف صلاح جاهين الإنسان بأنه الكائن الوحيد القادر على اتخاذ قرار الانتحار عندما تساءل: حد عمره شاف حمار بينتحر؟!.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اكتئاب السندريلا اكتئاب السندريلا



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon