توقيت القاهرة المحلي 12:48:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اكتئاب السندريلا

  مصر اليوم -

اكتئاب السندريلا

بقلم - خالد منتصر

فى ذكرى وفاة سعاد حسنى ما زال البعض يصرون على التأكيد أنها ماتت مقتولة، بل ومنهم من يصر على إعادة تشريح الجثة، وكأن انتحار المكتئب حدث نادر ومستحيل!، ومع كامل الاحترام لوجهة نظرهم إلا أن سعاد حسنى عاشت مكتئبة وماتت منتحرة، يعنى المسألة فى غاية البساطة والوضوح ولا تحتاج لكل هذا اللغط والضجيج، والعيش فى الوهم وادعاء وجود مؤامرة سرية من صديقتها نادية يسرى، أو جريمة قتل من الموساد.. إلخ، أو النكتة الكبرى أن هناك شخصيات كبيرة فى مصر خائفة من كتابة مذكراتها وإفشاء أسرارهم!. كل ما سبق ينتمى إلى عالم الكوميديا ولا يصمد لأى مناقشة موضوعية، وسببه الأساسى هو رفض المجتمع لقبول فكرة أن المكتئب المنتحر هو شخص مريض وليس بنى آدم يائساً كافراً ملفوظاً من المجتمع ومداناً من الناس وخارجاً عن الناموس والشرع ومطروداً من الجنة!، والسندريلا كان من المعروف أنها تعانى اكتئاباً شديداً، فهى شخصية مهيأة لذلك، وجاءت الظروف الضاغطة كعامل مساعد لكى تفجر بركان الاكتئاب عندها وتوصلها إلى درجة الانتحار، ومفتاح فهم مشكلة السندريلا كان فى رسالة الأنسر ماشين التى تقول «أنا زوزو..»، هى ما زالت تعيش نفسياً فى مرحلة زوزو الرشيقة المتألقة معبودة الشباب، ولكنها جسدياً تعيش خريف المرض والبدانة والاختفاء عن العيون فى ضباب لندن حيث الهروب من أعين المتطفلين الذين كانوا فى الماضى «المعجبين»!، هذا الصراع القاسى بين النموذج والواقع، وتناقض صورة المجلات الفنية والأفيشات مع صور المرايا والأشعات، جعل السندريلا تعيش مرحلة قاسية لمريضة اكتئاب بعيدة عن بلدها ودفء أهلها، تحتضنها صديقة مهما كان عليها علامات استفهام إلا أنها فتحت بيتها لها فترة طويلة، فلماذا تفكر فى قتلها، يكفى أن تطردها فقط، خاصة أنها لم تكن مليونيرة!، تعانى من الجفوة والإنكار وسخرية الصحافة التى وصفتها فى مقالة شهيرة بالهمجية وهى التى كانت يوماً ما الملكة المتوجة على عرش قلوب شباب مصر المحروسة، فضلاً عن فقدانها لأبيها الروحى صلاح جاهين الذى انتحر هو الآخر!، كل ما سبق ألا يؤدى بمريضة مكتئبة لا تواظب على الأدوية وليست تحت رعاية طبية كاملة إلى الإقدام على الانتحار، أعتقد أن المقدمات تؤدى بشكل شبه قدرى إغريقى إلى نتيجة واحدة؛ هى ما حدث من انتحار سعاد حسنى والذى انتهت إليه تحقيقات سكوتلانديارد والمحاكم الإنجليزية. كنت وقتها قد حملت تساؤلاتى إلى د. أحمد عكاشة أستاذ الطب النفسى والرئيس السابق للجمعية العالمية للطب النفسى، وطلبت منه إجابة مباشرة عن سؤال محدد: هل مريض الاكتئاب الجسيم المنتحر كافر؟، ورد الدكتور عكاشة بحسم وبدون تردد: لا.. ليس كافراً، وحكى لى د. عكاشة أنه كان فى ندوة مع شيخ الأزهر والبابا شنودة حول القتل الرحيم، وجاءت سيرة المكتئب المنتحر، واتضح أن فهم مرض الاكتئاب يشوبه بعض الغموض والخلط عند رجال الدين، وقال د. عكاشة إنه وضح لهما أن مريض الاكتئاب المنتحر غير مستبصر وغير مدرك وغير مقدر لعواقب الأمور، إنه على حد تعبير د. عكاشة مريض فاقد الأهلية، فكيف نحاسبه على هذا التصرف ونكفّره بدعوى أنه يائس من رحمة الله!.وعندما سألت د. عكاشة عن الدفع الذى يقوله المدافعون عن نظرية قتل سعاد حسنى بأنها كانت تأخذ العلاج فكيف تنتحر؟، قال مؤكداً أن بعض العلاج من الممكن أن يستعيد من خلاله المريض وبجلسات الكهرباء مثلاً قدرته على النشاط الحركى والتواصل، ومن الممكن أن يزيد استبصاره بعض الشىء، ولكن ما زال محتوى المريض الفكرى عاجزاً، وبعدما كان لا يستطيع حركياً الإقدام على شىء من الممكن جداً بعد هذا العلاج أن يقدم عليه، ومن الممكن جداً أن ينتحر وهو تحت العلاج، ولذلك لا يعد تناول سعاد حسنى العلاج دليلاً على أنها لم تنتحر، والدليل على عدم صحة ادعاءات أن العلاج الجزئى يمنع الانتحار تماماً هو حادثة انتحار الروائى الأمريكى أرنست همنجواى الحائز على جائزة نوبل، الذى كان فى المستشفى وتعرض لأربع جلسات كهرباء وخرج لينتحر بالبندقية، إذن شفاء وتحسين الهبوط الحركى لا يستلزم بالضرورة تخفيف وشفاء محتوى الاكتئاب.من الأرقام الصادمة أيضاً أن 15% فقط من مرضى الاكتئاب هم الذين يأخذون العلاج المناسب بالمدة المناسبة وبالكمية المناسبة، ومعظمهم يتعامل مع طبيب الباطنة العامة الذى يمضى معه إلى ربع الطريق من خلال طرق فرعية جانبية لا تصل إلى الهدف مباشرة، ولذلك تزيد نسب الانتحار حيث لا تنفع معه نظرية «نصف العمى أفضل من العمى كله!».إن ما يحدث مع قضية انتحار سعاد حسنى هو تلخيص لطريقة تفكير شعوب تتعامل مع مريض الاكتئاب على أنه مجرم، والمريض النفسى على أنه مجنون، والعلم على أنه تحدٍ للمقدسات، إننا لا نشجع على الانتحار ولكن نناقشه بطريقة علمية حتى نفهمه، ونفهم معه لماذا وصف صلاح جاهين الإنسان بأنه الكائن الوحيد القادر على اتخاذ قرار الانتحار عندما تساءل: حد عمره شاف حمار بينتحر؟!.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اكتئاب السندريلا اكتئاب السندريلا



GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 08:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon