توقيت القاهرة المحلي 19:05:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نور الدين وإنسانية التنوير

  مصر اليوم -

نور الدين وإنسانية التنوير

بقلم - خالد منتصر

معركة التنوير معركة طويلة النفس، مسابقة ماراثون وليست مسابقة جرى مائة متر، معركة لها فاتورة باهظة التكاليف، وضريبة غالية أحياناً تكون خصماً من أمنك وسمعتك وحياتك نفسها، معركة تحتاج فيها كل الأسلحة، ولكى يحدث التغيير لا بد أن تكون الأسلحة فى أيدى فريق متكامل لا فى يد دكتاتور مستبد، الفريق فيه العلمانى ورجل الدين، السياسى وعالم الاجتماع، الفيزيائى والفنان، الشاب والكهل.. إلخ، حتى الأطفال نحتاجهم فى فريق التنوير، ممنوع التعالى والفوقية فى معركة التنوير، وهذا ما فعله برنامج «نور الدين» الذى يلتقى فيه فضيلة الشيخ على جمعة يومياً مع الأطفال، ويجيب عن أسئلتهم التى تحمل حيرة شديدة فى عالم بالغ التعقيد.

التنوير لا يتم تسوله من المقصورات الملكية، ولكنه معركة شارع، معركة وعى، لذلك كان مهماً أن يتصدى الإعلام ممثلاً فى الشركة المتحدة لإنتاج مثل هذا البرنامج، ما يثبت أن هناك حراكاً فى اتجاه التصدى لأفكار التطرف واجتثاث جذور الإرهاب، الذى هو فكر فاسد قبل أن يكون حزاماً ناسفاً أو كلاشينكوف قاتلاً، أدت ضغوط تيار التنوير إلى إعادة تشكيل الوعى، وتغيير عقليات كثيرة، واستجابة تيارات مختلفة بما فيها رجال دين، زادت مرونة فتاواهم، واتسعت صدورهم للحوار والنقاش، وطرح علامات الاستفهام، وهذا كله يصب فى صالح التحضر والحداثة والاندماج فى العالم الجديد الذى لم يعد يقبل الفكر الجامد المتزمت، والإجابات المحنطة سابقة التجهيز.

على الرغم من أننا ما زلنا فى بداية البرنامج، فإن أسئلة الأطفال أثارت كثيراً من الجدل، وحرّكت المياه الراكدة، وتحركت لجان التخلف الإلكترونية للهجوم على البرنامج واتهام أصحابه بالتفريط فى الدين، وكأن هؤلاء المتزمتين الرجعيين قد ورثوا الدين عزبة خاصة لقطيعهم، وحصلوا على توكيلات إلهية احتكروا بها الكلام فى الدين، حتى عندما تم الرد على حجتهم الجاهزة بعدم التخصص، وتفويت الفرصة عليهم باستضافة د. على جمعة المتخصص والمفتى السابق، ظلوا يهاجمون، فهم يريدون نسخ استنساخ من ذواتهم المشوهة.

كانت الصدمة الكبرى للسماسرة الدواعش، هى عندما تساءلت طفلة عن احتكار المسلمين للجنة!، الطفلة حملت حيرتها إلى الشيخ، فهى ترى زميلتها المسيحية فى الفصل، طيبة ورقيقة، هى تحبها، ولكن البعض يقولون لها هذه الفتاة لن تدخل الجنة!، تتساءل البنت لماذا؟، تسمع أوصافاً مثل الكافر والزنديق.. إلخ، مصطلحات تصدمها، لكنها اطمأنت حين جاءتها الإجابة التى طبطبت على روحها، ولمست إحساسها الحقيقى الداخلى الذى كان يهتف «الله لا يطرد من رحمته أنقياء النفس، أصحاب الأرواح الطاهرة»، قال لها الشيخ إنه لا أحد يحتكر الجنة، حضن أمان، وبقعة ضوء مسحت ظلاماً دامساً، وأثر فتاوى ظلامية قاسية عنيفة متجهمة، كنا نسمعها ليل نهار، من أصحاب بوتيكات الكآبة التى جعلوها مرادفاً للورع والتقوى، كذلك الكلام عن الكريسماس وتحريم الاحتفال به، كانت الإجابة انحيازاً للبهجة، ولنبض الفرح فى شرايين الحياة، صداقة الولد والبنت، التى رسخت جماعات التطرف أنها صداقة شيطانية، بل ووصل الأمر لاغتيال شاب فى السويس بطعنة سكين فى شريان فخذه، لأنه كان يتحدث إلى فتاة على الكورنيش! واعتبروا هذا الأمر جهاداً فى سبيل الله، العبوس رسالتهم، والاكتئاب وسيلتهم، وتغليفك بكفن الرعب والخوف هو طريق سيطرتهم.

كانت الإجابة إنسانية، فالصداقة السامية المحبة المليئة بالعطاء، ليست سبة أو جريمة، بل هى أعلى درجات ومراتب السلوك الإنسانى، الفكرة ذكية، وستفتح الطريق لبرامج تنويرية أخرى، بألوان طيف مختلفة، إنه الإيمان بأن الدين قد خُلق من أجل الإنسان وسعادته، وليس العكس، كل الإنجازات من الممكن أن يبلعها ويدمرها الظلامى فى لحظة، بالسواد والغل والحقد، فأفظع الجرائم هى التى تُرتكب تحت غطاء دينى، مرتكبها لا يحس بالذنب، لأنه يتخيل أن تلك الجريمة هى تنفيذ لإرادة الله، وأن الضحية قربان له! احتضنت الشاشة الدين الضمير لا الترهيب، واحتملت الشاشة فضول الطفل ولم تقمعه، وتلك هى البداية السليمة والصحيحة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نور الدين وإنسانية التنوير نور الدين وإنسانية التنوير



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon