بقلم - خالد منتصر
عندما خرج الشعب المصرى ضد الإخوان فى ٣٠ يونيو، لم يكن خروجه لسبب اقتصادى أو سياسى بقدر ما كان خروجاً للحفاظ على الهوية المصرية، فقد أحس المصرى أن الـ«دى إن إيه»، الخريطة الجينية للهوية، قد بدأت تتغير وتتشوه.
هنا كانت علامة الخطر وجرس الإنذار الذى جعل المصرى يُستنفر وينتفض ويخرج ضد التتار الجدد من خفافيش الظلام، عصابة لا تنتمى للوطن، بل للخلافة، تنظيم مرشده يقول «طظ فى مصر»، ومُنظر التكفير فيه يقول «الوطن حفنة من تراب عفن»!
عصابة كارهة للفن وللوجدان وللإبداع، شعارها التجهم والابتسامة اللزجة، يرفعون شعار «الإسلام هو الحل» ليخدعوا به الجماهير، صار الدين عندهم سلعة سياسية على رفوف سوبر ماركت التنظيم الدولى، درجة سلم يصعدون عليها ثم يقذفون بالسلم، يدّعون السلام والسماحة ويضربون المعارضة فى «الاتحادية» بكل عنف وشراسة، يُختطف مصريون بواسطة حفنة من تجار الدين فيقولون وينادون حافظوا على الخاطفين، بالطبع لأن مصلحتهم واحدة، ويتحرق الوطن مش مهم!
فالوطن عندهم غرفة فندق يتركونها وقتما يشاءون، ويعبثون بمحتوياتها بكل جلافة لأنها ليست ملكهم، يهجمون على خيام ليضبطوا جبنه نستو!! ويتقولون على الشباب ويتهمونهم بأنهم رافضون للإخوان لأنهم يريدون الانفلات الجنسى!! يكرهون المرأة كراهة التحريم ويعتبرونها شيطاناً رجيماً، ويضعون مكان صورتها وردة لأنها عورة!!! وكانوا يجوبون القرى فى حملات تشجع على ختان البنات!!
أحس المصرى بأن الـ«دى إن إيه» قد اقتحمه الفيروس، وسيحتل هو المكان ويُصدر أوامره وكأنه الحمض النووى الأصلى، وينخدع الجسد ويستجيب، لكن الجسد المصرى رفض الفيروس، وأعلن التمرد، ولفظ كل أشكال جماعات الإسلام السياسى.
خرج ليعلن: نحن مصريون فقط، نحن سبيكة وطنية صُهرت على مدى قرون، لن نسمح بأن يُمنع ناخب مسيحى أو يُضرب حتى لا يذهب للجنته الانتخابية تحت شعار لا ولاء للذمى!!، خرج المسلم يده فى يد المسيحى، خرجت المرأة على أنغام «يا حبيبتى يا مصر»، الشباب رفع علم مصر وارتدى التيشيرت الفرعونى ولم يتنصل من حضارته التى كانوا يصفونها بحضارة الأصنام، ومنهم من طالب بتحطيم أبوالهول، ومنهم من غطى التماثيل لأنها حرام!
كفَّروا نجيب محفوظ فى البرلمان وهو فخر مصر وصاحب نوبل وأيقونة الرواية والمثال المعاصر للمصرى الذى صهر كل الثقافات فى وجدانه وعقله، خرج المصرى ليثبت أنه ليس ابن حقبة تاريخية واحدة، هو كما وصفه ميلاد حنا ابن طبقات جيولوجية تاريخية متعددة، استفاد من كل منها وطبعته ببصمتها، خرج المصرى من أجل الهوية المصرية لا الدينية، فالهوية الدينية هى فى المسجد لا يتم الصراخ بها فى الشارع، كان المصرى متأكداً أن خراب الـ«دى إن إيه» ليس بعده خراب، ولا إصلاح ولا ترميم له، إنه التشوه والموت وضياع الهوية، حفظ الله مصر وهويتها إلى الأبد، فهى فجر الضمير وعمق التاريخ.