بقلم - خالد منتصر
التنويريون العرب والمصريون على وجه الخصوص محبطون من زيادة عدد الظلاميين وعدم حدوث تغيير فكري وثقافي يكفي لإحداث طفرة تصنع الحداثة، ولهم بعض الحق ، لكن جزء كبير من هذا الإحباط الذي يسكن كل من يتصدى للتنوير أو التغيير الفكري أو الثقافي أو محاربة الخرافة، يعود لعدم فهم أن التنوير عملية بطيئة تحتاج الى تراكم طويل ،وجراحة دقيقة تحتاج الى غرفة عمليات مجهزة وطاقم مدرب ومريض علاماته الحيوية وحالته الجسدية والنفسية تحتمل الجراحة ،على كل مفكر تنويري أو مثقف يحاول خلخلة الفكر السائد والبديهيات الراسخة والمغالطات المنطقية ، عليه أن يقتحم تلك المعركة بمنطق مختلف عن منطق خناقات أنور وجدي في أفلام الأبيض والأسود ، الذي كان يدخل الخناقة ويخرج منها مهندم الملبس ،منسق الشعر ،مازال الفازلين مكللاً خصلاته، المثقف الذي سيدخل المعركة بهذا المنطق هو خاسر من قبل أن يخطو خطوة فيها ، هو لابد أن يعلم جيداً أنه سيتعرض لسفالات ووقاحات وشتائم وبلاغات وملاحقات وبالطبع محاولات تهديد معنوي وجسدي ..الخ ، المعركة ليست سهلة ولا بسيطة، ليست رحلة رفاهية ،إنما هي رحلة معاناة مثلها مثل رحلات السافانا المتوحشة الموحشة أو تسلق الجبال الوعرة الخطرة ،عليك أن تبذر البذرة ولا تنتظر الثمرة في حياتك أو أثناء خوضك المعركة ، عليك أن تكتب ما تقتنع به وفقط ، ولا تنتظر الحصاد السريع ، فجراحة زرع المخ أصعب الجراحات ، ومرضى الخرافة يعانون من عرض نفسي خطير ،وهو الانكار ، فهم ينكرون أنهم مرضى ،وتلبسهم هستيريا مرعبة وعدوانية رهيبة اذا أخبرهم شخص بتفاصيل مرضهم ، هم يفضلون الخرافات والأكاذيب المريحة عن الحقائق المزعجة ، لذلك يقاومون وبشراسة ، فالضلالات لا يحلها المنطق ولا يشفى أصحابها بالإقناع ،فمن يرى العصا ثعباناً لن يقنعه المنطق الهادئ العقلاني، وانما هؤلاء يعالجون بالصدمات ، على التنويري أن يقتنع بأن قضيته رهان على الزمن والتاريخ الذي ينحاز للمستقبل والمصلحة ولو طال الزمن ، ولو زادت شراسة المقاومة وعنف الخصم، لن يستسلم سماسرة الخرافة وتجار الأوهام بسهولة ، فلقد تحولت الخرافة الى بيزنس ومصدر دخل وكنز رفاهية ،لذلك كان ولابد أن تتكون عصابة من المستفيدين من عرقلة التنوير، وجر المثقف التنويري الى معارك جانبية تستنزفه وتشغله وتلهيه عن مشروعه الأساسي ، فلتكن مطرقتك منتظمة الإيقاع شديدة الطرق ،لا تهدأ ، لا تنجر ولا تقاد الى معارك تافهة وهامشية ، اعزف على قيثارتك حتى النفس الأخير ولا تنشغل بالدفاع عنها ،حتى ولو بقي منها وتر، حتماً ستشدو بأغنيتك الجميلة .
a