توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نصيحة سلامة موسى إلى الشباب

  مصر اليوم -

نصيحة سلامة موسى إلى الشباب

بقلم - خالد منتصر

المفكر العظيم سلامة موسى من الذين لم يأخذوا حقهم من الدراسة ومن الضوء بل على العكس ناصبه الكثيرون العداء نتيجة منهجه العلمي في التفكير ونقده للكثير من الخرافات ، ويكفي أن يعرف الشباب أنه أول من شجع نجيب محفوظ ، هناك كتاب أتمنى أن يقرأه كل شاب اسمه "أحاديث الى الشباب" ،برغم أنه قد صدر منذ حوالي سبعين سنة الا أن شباب سلامة موسى العقلي الدائم قد جعله كتاباً عابراً للأجيال والزمن ، أقتبس لكم منه التالي لتعرفوا كيف كان يفكر مستقبلياً :

يجب أن يكون شأن الشاب في اختيار غذائه العقلي، فإنه يجب ألا يحشو ذهنه بتلك المعارف التي تحفظ أي تستذكر، فإنها حشو يتضخم بها الذهن، ولكنه لا ينمو؛ إذ هي للذهن بمثابة المواد النشوية للجسم؛ ولذلك عليه أن يأخذ بتلك الثقافة التي ينمو بها ذهنه بالتأمل والتفكير والبحث والاستقلال.

إن الثقافة نوعان: ثقافة يعتمد فيها على الذاكرة ومعظم الدراسات القديمة تجري هذا المجرى، حيث يكلف التلميذ أو الطالب الحفظ عن «ظهر قلب»، ويكاد يعجز لهذا السبب عن الابتكار في البحث أو الاستقلال في التفكير؛ إذ هو يتضخم دون أن ينمو.

والنوع الثاني هو تلك الثقافة العلمية الجديدة التي لا تطالب أحدًا بالاستذكار، وإنما بالتفكير. وهذه الثقافة هي ابتداع جديد ووعي جديد في الإنسان، ومع أنها قد بزغت منها بوازغ عند الشعوب القديمة من المصريين إلى الإغريق إلى العرب، فإنها لم تنتشر إلا منذُ أقل من أربعمائة سنة.

ثقافة العلم هي ثقافة الابتكار والاستقلال، التي دفعت بالإنسان إلى التساؤل، فرفض التسليم بالمعارف القديمة، وجعل يسأل ويبحث ولم ينخدع بما كان يقال بأن الأسلاف كانوا حكماء، وأنهم عرفوا كل شيء، وإنما سلَّم بجهله وجهلهم، ورفض أن يستذكر ويحفظ عن «ظهر قلب»، وانتهى بحقائق العلم التي غيَّر بها نفسه ومجتمعه، بل هو يغير بها الآن الدنيا بأرضها وبحارها وجبالها، ثقافة العلم هي التي جعلت الإنسان يكتشف قارة جديدة يعيش فيها الآن أكثر من أربعمائة مليون إنسان، هي أمريكا.

وثقافة العلم هي التي جعلتنا نصعد إلى السماء ونكاد نلغي المسافات، فقطع ما بين القاهرة ولندن في أربع ساعات أو أقل. وثقافة العلم هي التي جعلتنا نعالج ونشفي نحو 20 أو 30 مريضًا بالضديات. وثقافة العلم هي التي ننتظر منها أن نعيش أصحاء نحو 300 أو 400 سنة.

وثقافة العلم هي التي جعلتنا نقف على أسرار الكون في أصله ونهايته، بالوقوف على أسرار الذرة بعد أن كنَّا نؤمن بالخرافات. إن الثقافة السيئة مثل الغذاء السيئ تجعلنا نتضخم بالمعارف ولكننا لا ننمو، وهذه هي ثقافة الاستذكار، أي الحفظ عن ظهر قلب، أما الثقافة العلمية فهي مثل البيضة للطفل تكفل لنا النمو الذهني.

والواجب الأول على كل شاب أن يعرف الفرق الأساسي بين هاتين الثقافتين، وأن يزود نفسه حين يشرع في الوعي الثقافي بعلم من العلوم يدرسه، ويتدرب على مناهجه ويتعلم منه طرق البحث والاستقلال في التكفير، وضرورة النقد القاسي للأخطاء والأوهام التي يقع فيها الحافظون عن «ظهر قلب».

ولا يمكن الشاب أن يكون عصريًّا إلا إذا عرف علمًا من العلوم. وليس هناك استظهار في العلوم، أي ليس هناك حفظ عن ظهر قلب لمعارف مثبتة بالتجربة.

وهو حين يفعل ذلك يحسُّ الاستقلال الفكري، وأنه ليس هناك من يستعمر ذهنه ويقسره على التسليم ويطالبه بالحفظ الأعمى الأصم.

ولن يستطيع أحد منَّا أن يفهم التطور السريع الذي يجري هذه الأيام في عالمنا إلا إذا تعمق العلوم على قدر ما تسمح له به ظروفه، وليس شكٌّ أن أحفادنا وأحفاد الأحفاد سينهجون المنهج العلمي في حياتهم وأسلوب عيشهم وزواجهم وطعامهم وسكناهم وإنتاجهم أكثر منَّا مائة ضعف، ولكن مع عجزنا الحاضر عن أن نكون علميين في تفكيرنا مائة في المائة علينا ألا نهمل القليل الذي زودنا به العلم كي نتصل بحقائق الدنيا والكون والحياة اتصالًا سليمًا، أي اتصالًا استقلاليًّا بالبحث والدرس وليس اتصال العبيد بالسادة يأمرونهم بالطاعة فيخضعون.

إن العلم في عصرنا هو الذي يقرر القوة لعارفيه وممارسيه، وهو الذي يقرر الضعف لمن ينكرونه ولا يدرسونه، العلم هو فنُّ القوة بجميع معانيها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نصيحة سلامة موسى إلى الشباب نصيحة سلامة موسى إلى الشباب



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 10:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 10:52 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

GMT 09:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 21:45 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

فجر السعيد تفتح النار على نهى نبيل بعد لقائها مع نوال

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 20:43 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

الأمير هاري يتحدث عن وراثة أبنائه جين الشعر الأحمر

GMT 20:11 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

تكريم توم كروز بأعلى وسام مدني من البحرية الأميركية

GMT 09:56 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 12:18 2016 الإثنين ,12 كانون الأول / ديسمبر

الروح والحب والإخلاص " ربنا يسعدكم "

GMT 23:59 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

اتفاق مبدئي على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في ليبيا

GMT 18:11 2024 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

3 تحديات تنتظر الزمالك قبل غلق الميركاتو الصيفي

GMT 07:33 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

"سيسيه يؤكد رفضت عروضا من أجل البقاء مع "الاتحاد

GMT 05:59 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

محمد النني يقترب من الدوري السعودي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon