توقيت القاهرة المحلي 04:39:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لماذا كان الصدام مع الإخوان حتميًا؟

  مصر اليوم -

لماذا كان الصدام مع الإخوان حتميًا

بقلم :عبد الله السناوي

فى خريف (2002) طرأ حوار محتدم فى أروقة «الإخوان المسلمين» حول تجديد الجماعة والأدوار التى يمكنها الاضطلاع بها، والفرص المتاحة أمامها للتقدم بأوراق اعتماد جديدة لرأى عام قلق على مستقبل بلاده.
بقوة حركة المجتمع اضطرت الجماعة أن تدخل على قاموسها السياسى مصطلحات تخالف ثقافتها المتوارثة مثل الديمقراطية والتعددية وحكم القانون، غير أن الخطاب المستحدث لم ينجح فى تغيير صورتها واستقرت فى البيئة العامة شكوك عميقة فى جدية حديثها عن الاندماج بقواعد اللعبة السياسية.
لم تحاول أن يستقيم اعترافها بالتعددية والديمقراطية مع ضرورات مراجعة تاريخها منذ نهايات عشرينيات القرن الماضى، أو أن تتخلى عن خطاب التبرير، أو التجهيل بحوادث لا سبيل إلى إنكارها كالتورط فى أعمال عنف واغتيالات سياسية.
ولا حاولت أن تؤسس لعلاقات مع القوى السياسية الحية فى البلاد بلا استعلاء، أو توهم احتكار الحقيقة والحكمة.
كانت تلك أحوال أقرب إلى ألغام فكرية وسياسية كامنة فى بنية الجماعة انفجرت فيها قبل غيرها عند الصدام الكبير الذى جرى فى (30) يونيو (2013).
كان الصدام تعبيرا عن مشروعين متناقضين، أولهما ــ يصادر الديمقراطية لصالح تنظيم سرى مغلق أفكاره تخاصم عصره، يكوش على السلطة دون قدرة على تلبية أدنى مطالب مواطنيه.. وثانيهما ــ يسعى لبناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة، دولة قانون ومواطنة وعدالة اجتماعية متأثرا بالأحلام الكبرى التى أطلقتها ثورة «يناير».
شرعية (30) يونيو، إنها فعل شعبى وأمل فى المستقبل.
لم تكن وقائعها الكبرى مؤامرات جرت فى الظلام، أو بكواليس الدولة العميقة ــ كما تقول دعايات الإخوان!
لم يكن أحد فى الوسط السياسى العام مستريحا لفكرة أن ينشأ حزب علنى للإخوان مع بقاء التنظيم السرى على ما هو عليه!
الفكرة نفسها تقوض أى ادعاء بالانتساب إلى الديمقراطية.
أفضت تجربة الجماعة بعد أن كسبت الانتخابات الرئاسية عام (2012) إلى تشوه غير مسبوق فى بنية السلطة، فالقرارات الكبرى تصدر من «المقطم» حيث مقر الجماعة لا من «الاتحادية» حيث مقر الرئاسة.
أصبح الموقع الرئاسى شكليا ينفذ ما يصدر إليه من تعليمات.
من هذه الزاوية تتحمل الجماعة قبل غيرها مسئولية سقوطها المروع بعد عام واحد من توليها السلطة.
لم يكن الحجم، الذى أخذته الجماعة بعد «يناير»، تعبيرا عن قوتها بقدر ما كان انعكاسا لضعف الآخرين.
استثمرت تفريغ الحياة السياسية، الذى أمعن فيه نظام «مبارك»، للتمدد والانتشار والتمكين.
عندما استشعرت شعبية الشعارات التى رددتها حركة «كفاية» ضد التمديد والتوريث تبنتها فى اللحظات الأخيرة ببرجماتية مفرطة.
كانت الجماعة آخر من دخل ميدان التحرير وأول من خرج منه.
بتصريح للمرشد العام «مهدى عاكف» لمحطة «الجزيرة»: «نؤيد الرئيس مبارك».
عاد نافيا لجريدة «العربى» ما بثته «الجزيرة»، ثم نفى لـ«الجزيرة» ما نشرته «العربى» قبل أن يعلن أنه سوف يعقد مؤتمرا صحفيا يعلن فيه عن شروط تأييد «مبارك»، التى لخصها فى إلغاء قانون الطوارئ والإفراج عن المعتقلين السياسيين من جماعته.
ثلاثة مواقف متضاربة فى شهر واحد، أكتوبر (2006)!
التناقض نفسه مضى فيه نائبه الدكتور «محمد حبيب».
صرح لوكالة الأنباء الفرنسية ما نصه: «الحركة ستؤيد ترشيح الرئيس مبارك، أو نجله جمال مبارك لرئاسة الجمهورية، لا يمكن أن نقف عقبة أمامه، إذا ما اتخذت إجراءات فعلية للإصلاح السياسى تشمل بصفة خاصة انتخابات رئاسة تعددية بلا قيود وإلغاء حالة الطوارئ والقوانين المقيدة للحريات وإطلاق سراح المعتقلين».
ذلك التصريح، الذى تبنَّى التوريث وعدم الاعتراض عليه من حيث المبدأ، خالف الشعارات التى رفعها «الإخوان» فى مظاهرة جرت وقتها بميدان رمسيس تبنت شعارات حركة «كفاية».
بعد بث برقية وكالة الأنباء الفرنسية ضرب الارتباك صفوف قيادات «الإخوان»، جرت مشادات حادة أدت ــ بالنهاية ــ إلى نفى التصريح المثير، واعتبار أن الوكالة الدولية قد حرفته!.. وأن «التوريث لن يمر إلى على جثتنا»!
بعد يومين نشرت جريدة «المصرى اليوم» تصريحا آخر لنائب المرشد العام بذات المعنى باستثناء الإشارة إلى نجل الرئيس!
ازدواجية الخطاب ولا مبدئيته صاحب الجماعة إلى السلطة.
لكل فعل فى التاريخ أصل يستند إليه، وقد كان ذلك أصلا ثابتا.
قبل الانتخابات النيابية عام (2005) أبرم نظام «مبارك» صفقة انتخابية مع مكتب الإرشاد حول نسب مقررة للجماعة فى مجلس الشعب.
كانت تلك فضيحة متكاملة الأركان وتواطؤ مشترك على أية تطلعات ديمقراطية.
السؤال الذى غابت إجابته فى جميع الشهادات والاعترافات: ما الثمن الذى تقاضاه النظام مقابل النسبة العالية من المقاعد التى حازها «الإخوان» فى انتخابات (2005)؟!
كان النظام قلقا من فكرة بناء جبهة ديمقراطية واسعة تشمل الأحزاب الرئيسية والحركات الاحتجاجية وجماعة «الإخوان المسلمين» لخوض الانتخابات التشريعية الوشيكة.
بمقتضى الصفقة خرجت الجماعة عن الجبهة الديمقراطية وقررت خوض الانتخابات النيابية بشعاراتها المباشرة.
تخلت ــ عمليا ــ عن أى حديث له صفة الجدية عن الإصلاح السياسى والدستورى.
منطق الصفقات قوض تماما سمعة الجماعة، كما التنكر لوعودها واحدا إثر آخر حتى استكملت عناصر الصدام مقوماتها.
فى تجربة ما بعد «يناير» اتسع نهج التنكر للوعود حتى وصل إلى محاولة فرض الدستور بلا أدنى توافق مع القوى المدنية، أو الشركاء فى الوطن.
كان ذلك داعيا إلى اتساع نطاق الاحتجاجات ونشأة «جبهة الإنقاذ الوطنى» كإطار سياسى جامع لموجات الغضب.
وقد أفضى التلويح بالعنف واستخدامه على نطاق واسع ضد معارضيها المدنيين والاستهتار بأية قواعد دستورية أو قانونية إلى شيوع أجواء الكراهية فى البلد كله والوقوف على أبواب الاحتراب الأهلى.
قبل سقوط نظام «مبارك» طرح سؤال «الميليشيات العسكرية» نفسه على المجال العام بعد الاستعراض الذى جرت وقائعه فى جامعة الأزهر، وتبدت فيه إشارات عن ميليشيات متأهبة أكدت المخاوف التى لاحقت دوما الجماعة السرية.
لم يكن الاعتذار عما جرى فى جامعة الأزهر كافيا، ولا كان وصفه على لسان المرشد العام «مهدى عاكف» بأنه «لعب عيال»، أو تمثيلية لتمضية وقت الفراغ أثناء الاحتجاج على تدخل الإدارة والأمن فى الانتخابات الطلابية واعتقال بعض طلاب «الإخوان» مقنعا.
رفعت بعض تصريحات أحد قيادات التنظيم الدولى منسوب المخاوف: «أمال كانوا عاوزينا نعمل حفلة رقص»!
بعد «يناير» طرح السؤال نفسه مجددا بإشارات وظواهر وتصريحات وأعمال عنف وإرهاب أكبر وأفدح فى سيناء تحت عباءة الجماعة، أو بمباركتها.
هكذا كان الصدام محتما بقوة الإرادة الشعبية لإطاحة الجماعة من السلطة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا كان الصدام مع الإخوان حتميًا لماذا كان الصدام مع الإخوان حتميًا



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات

GMT 20:08 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة تصدر 9 قرارات تهم المصريين "إجازات وتعويضات"

GMT 08:01 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

عرض فيلم "الفلوس" لتامر حسني أول تشرين الثاني

GMT 08:44 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

إنجي علي تفاجئ فنانا شهيرا بـ قُبلة أمام زوجته
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon