توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

النخب السياسية لا تولد بقرار!

  مصر اليوم -

النخب السياسية لا تولد بقرار

بقلم :عبد الله السناوي

قبل خمسين سنة بالضبط بدت الانتفاضة الطلابية، التى عمت الجامعات المصرية فى يناير (1972)، إيذانا بميلاد جيل جديد أطلق عليه جيل السبعينيات.
سرت روح مختلفة فى حركة المجتمع وتبلورت تيارات سياسية كأنها ميلاد جديد.
وجد الغضب فى أوساط الطلاب تعبيره السياسى فى تيارين رئيسيين.
أولهما ـ «التيار الماركسى» الذى بدأ فى إعادة ترتيب صفوفه وبناء تنظيمات جديدة على أطلال ما جرى حله فى الستينيات، وكان صوته مسموعا فى الجامعات المصرية.
وثانيهما ـ «التيار الناصرى»، الذى لم يكن قد تبلورت له رؤية تتعدى المطالب الوطنية العامة، وكان جمهوره عريضا لكن بلا تنظيم يقود طاقة غضبه.
كانت «منظمة الشباب الاشتراكى»، أفضل صيغة تنظيمية وفكرية قدمتها ثورة «يوليو»، تعانى ضغوطا متواصلة انتهت بتصفيتها بعد أن اكتسح آخر انتخاباتها الناصريون الجدد المعارضون لخط «أنور السادات».
قرب نهاية (١٩٧٤) أعلن لأول مرة طلاقا سياسيا نهائيا مع أى رهانات على نظام «أنور السادات»، وخرجت قيادات جديدة من أوساط الطلاب تناهضه بلا هوادة.
ككل فعل فى التاريخ فإن له ردة فعل.
أمام حملات الهدم تحركت روح جديدة تنتسب إلى مشروع «عبدالناصر» لا نظامه، تنظر إليه كمثل أعلى لكن لا تقدسه، وتعلمت بالوقت ضرورات نقد تجربته من موقع الالتزام بمشروعها.
لم يكن بوسع المجموعة الضيقة التى أسست «نادى الفكر الناصرى» بجامعة القاهرة فى ديسمبر (1974) أن تتوقع الأثر المستقبلى بالغ الأهمية بأى معنى سياسى أو تاريخى لما قرروه.
كانوا مجموعة من الشبان اليافعين، تجاوز أغلبهم العشرين من أعمارهم بالكاد، لم تكن لهم خبرة تنظيمية سابقة تضارع ما لدى التيار الماركسى، ولا امتداد خارج أسوار الجامعة.
بدوا تعبيرا عن حالة غضب تبحث عن طريق جديد يُنهى أية أواصر مع نظام الحكم، ويعلن انتقال الناصرية إلى الشارع.
بعد وقت قصير اتصلت حركتهم بما حملته من روح راديكالية مع ناد سياسى آخر فى جامعة عين شمس، وهو أول ناد فى الجامعات المصرية.
كان الناصريون فى جامعة عين شمس يمسكون بمقاليد اتحادها، ويتداولون رئاسته بالنظر إلى قوة «التنظيم الطليعى» فيها.
عندما حل التنظيم بعد أحداث مايو (1971) ظلت مجموعته فى جامعة عين شمس متماسكة، وواصلت أدوارها فى ظروف معاكسة.
أفضل ما يُنسب للنادى السياسى فى جامعة عين شمس أنه نظم على مدى سبع سنوات متصلة ما كان يطلق عليه «لقاء ناصر الفكرى».
فى البداية لم يكن ذلك اللقاء السنوى أكثر من تجمع احتفالى يمتد لثلاثة أيام يتذكر «يوليو» وإنجازاتها، ويحضره كبار المسئولين فى الدولة، عندما تحل ذكرى رحيل «جمال عبدالناصر» فى (٢٨) سبتمبر من كل عام.
بسريان الروح الجديدة واتساع مجالها فى الجامعات المصرية تغيرت طبيعته إلى منصة معارضة صريحة للسياسات التى يتبعها نظام الحكم.
أنشئت أندية مماثلة فى الجامعات المصرية حملت اسم «نادى الفكر الناصرى».
جرى تنسيق وحوار بين هذه الأندية شمل قيادات عمالية لها كلمة ونفوذ وقيادات فى منظمة الشباب، رأت أن القطيعة محتمة، وأن حل المنظمة نفسها مسألة وقت.
لم يمض وقت طويل حتى أحكم الناصريون الجدد سيطرتهم على اتحاد طلاب جامعة القاهرة، وبسطوا هيمنتهم على اتحاد طلاب الجمهورية (١٩٧٦) قبل الانقضاض على لائحته الديمقراطية بعد انتفاضة «الخبز» عام (١٩٧٧).
كان أول سؤال طرحوه على أنفسهم:
من نحن؟.. وماذا نريد؟
سادت خطابهم نبرات الاحتجاج على ما يحدث.
بالتعريف: كانوا حركة احتجاجية، تجتمع بالاحتجاج، وتفرز بالاحتجاج، وتنظم نفسها بالاحتجاج.
كانت المعركة السياسية الأولى للتيار الوليد ما أطلق عليه: «ملف عبدالناصر» ــ على حد التعبير الذى شاع فى ذلك الوقت.
لم يكن ذلك خيارا ضمن خيارات.
كان الميلاد إجباريا بقوة رد الفعل.
غاب ما كانت تحتاجه مصر من حوار حول التجربة الناصرية، وسادت رغبة الانتقام من مشروعها قبل أى شىء آخر، فالنظام كان قد سقط من داخله.
مال الناصريون الجدد إلى ما يمكن أن نطلق عليها «الدفاع النشط»، حيث الرد بالأرشيف وإظهار حجم التناقض فى المواقف باختلاف العصور.
بالفعل ورد الفعل جرت معارك ومساجلات حول بناء السد العالى وتأميم قناة السويس، ودور القطاع العام والإصلاح الزراعى وحرب (١٩٦٧) وسادت روح الدفاع بيانات وتجمعات الجيل الجديد.
احتاج الناصريون الجدد إلى وقت أطول لإعادة النظر فى التجربة ومواطن ثغراتها، التى سمحت بالانقضاض عليها.
السياق ضرورى لفهم الظاهرة الشابة.
بدأت تظهر فى أوراق الناصريين الجدد دعوات لتطبيق «قانون من أين لك هذا؟» على كل من تولى مواقع المسئولية منذ ثورة «يوليو»، وتثبيت أسعار السلع الأساسية ورفع الحد الأدنى للأجور مع تثبيت الحد الأقصى لها عند مستواه فى مايو (١٩٦٧) وتأميم قطاع تجارة الجملة والمقاولات، وقصر الاستيراد على الاحتياجات اللازمة لتشغيل القطاع العام، وإسقاط جميع الديون عن كل الفلاحين.
كان مستلفتا فى ذلك البيان الذى أصدره نادى الفكر الناصرى الإشارة إلى «إلغاء كل القوانين الاستثنائية المعطلة للحريات مثل قانون الوحدة الوطنية وقانون المدعى الاشتراكى وإطلاق حرية الكلمة».
الإشارة ــ بذاتها ــ تومئ إلى نوع من التزاوج الفكرى والسياسى المبكر فى الجيل الجديد بين طلبى العدل الاجتماعى والحريات العامة.
بالتدريج مال الناصريون الجدد إلى تجديد فى الخطاب ونقد تجربة «يوليو» من داخلها ودمج قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان فى صلب مشروعهم الفكرى بجانب قيم التحرر الوطنى والعدل الاجتماعى.
لم تكن تلك رحلة فكرية سهلة لكنها كانت ضرورية فى كل حال.
منحت الحركات الطلابية مصر أغلب نخبتها السياسية على مدى عقود متصلة بأكثر مما ينسب للأحزاب السياسية مجتمعة، باختلاف مشاربها الفكرية.
حيث حرية التفكير والاعتقاد السياسى تبنى النخب عن اقتناع حقيقى، وتترسخ القيم الوطنية العامة.
النخب السياسية لا تولد من فراغ ولا بقرار من سلطة.
بأية نظرة إلى الأصول السياسية للنخب المصرية المعاصرة فإن غالبيتها تعود إلى إرث الحركة الطلابية المصرية.
حاول «السادات» فى السبعينيات إجهاض حركة اليسار بجناحيه الناصرى والماركسى، واستخدم الجماعات الإسلامية فى فض التجمعات السياسية والحفلات الفنية بالمدى والجنازير، لكن الفكرة كانت أقوى من العنف والحلم أبقى من السلطة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النخب السياسية لا تولد بقرار النخب السياسية لا تولد بقرار



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon