توقيت القاهرة المحلي 21:39:42 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حقوق الإنسان كقضية عالمية!

  مصر اليوم -

حقوق الإنسان كقضية عالمية

بقلم :عبد الله السناوي

تكتسب قضية حقوق الإنسان زخمها وإلهامها من المعاناة الإنسانية نفسها، الحروب والثورات، المشانق والاعتقالات، الفقر والحرمان الاجتماعى، وقهر الشعوب المغلوبة على أمرها تحت سطوة الاحتلالات الأجنبية.
لا نشأت بمصادفات الحوادث ولا اخترعها أحد بداعى التآمر!
كانت الثورة الفرنسية نقطة تحول فاصلة فى التاريخ الإنسانى، حيث أفضت إلى صعود طبقات جديدة وأفكار جديدة وذبول طريقة فى الحكم تنتسب إلى القرون الوسطى الأوروبية.
على الرغم من مرور أكثر من قرنين على اندلاعها، فإن السجال الحاد حول وقائعها وتحولاتها وأبطالها لم يمنع الإقرار العام بدورها الجوهرى فى تغيير مسار التاريخ الإنسانى.
يعزى للثورة الفرنسية أنها أطلقت الأفكار الأساسية فى الحقوق والحريات العامة إلى آفاق لم تكن متخيلة، العالم بعدها اختلف بصورة جذرية عما كان قبلها.
فى الحصاد الأخير بقيت قيمها الكبرى تؤثر وتلهم حكم الشعوب، وتوارت صفحاتها الدموية، وقصص المقاصل التى أطاحت بالرءوس.
يعود إلى خبرتها وأفكارها الفضل الأول فى صياغة العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، الذى تبنته الأمم المتحدة عقب الحرب العالمية الثانية.
من قلب المعاناة نشأت ضرورات أن يكون هناك عهد دولى يحفظ الحق فى الحياة ويصون الحريات العامة والحقوق الأساسية بصيغ قانونية منضبطة لا بعبارات إنشائية مفتوحة تفسر على الهوى!
بقدر آخر لعبت الثورة السوفييتية أدوارا لا يمكن التهوين منها فى إلهام فكرة بناء عالم جديد أكثر عدلا.
أفضل ما يُنسب إليها أنها ساعدت على نحو جوهرى فى طرح قضية العدل الاجتماعى بأفق جديد.
على الرغم من أى مثالب قاتلة فى بنية نظامها فإنها نقلت الوعى الإنسانى بقضية العدل الاجتماعى إلى مستويات غير مسبوقة.
لا يمكن النظر إلى التطورات الجوهرية التى لحقت بمفاهيم الرعاية الاجتماعية داخل النظم الرأسمالية الغربية دون الإقرار بتأثيراتها.
على منوال مماثل لعبت الثورة الصينية أكثر الأدوار أهمية فى الشرق الآسيوى، حيث الكتل البشرية الهائلة التى ترزح تحت فقر مدقع وحروب بلا نهاية مع الأفيون والذباب.
نجح الصينيون فى الانتقال من الثورة إلى الدولة، ومن التخطيط المركزى الصارم إلى الانفتاح الاقتصادى المحسوب، بأقل كلفة سياسية ممكنة، وأسسوا واحدة من أكثر التجارب استقرارا بزخم التراكم، غير أن سجلها فى الحريات العامة يكاد يقطع الطريق عليها فى اكتساب قيادة النظام الدولى الذى يوشك أن يعلن عن نفسه، فالنموذج السياسى الملهم يكاد يغيب بفداحة.
لعقود طويلة أثرت وألهمت الثورة السوفييتية نصف البشرية تقريبا قبل أن تنكسر شوكتها بانهيار سور برلين يوم (٩) نوفمبر عام (١٩٨٩).
لم يعد للإرث السوفييتى ذات الأثر الفكرى والسياسى، الذى ساد أغلب سنوات القرن العشرين، لكنه أسس لنظرة جديدة تتجاوزه إلى حركة المجتمعات الإنسانية فى طلب العدالة الاجتماعية.
طورت الرأسمالية من نفسها تحت ضغط الأفكار الاشتراكية، ونشأت فى كنف الدول الغربية حركات جديدة أطلق عليها «الشيوعية الأوروبية» ـ بتأثير أفكار رجال من حجم «تولياتى» و«جرامشى» فى إيطاليا ـ دمجت ما بين الفكرتين الاشتراكية والديمقراطية.
نشأت فى أوروبا الشرقية نزعة قوية أطلق عليها «الاشتراكية بوجه إنسانى» تجسدت فى «ربيع براج» إثر وصول «إلكسندر دوبتشيك» إلى السلطة زعيما للحزب الشيوعى التشيكوسلوفاكى.
تبنى تجديد الاشتراكية ونزع ثقافة الخوف وإشاعة الديمقراطية والحريات الصحفية، لكن مشروعه جرى سحقه بدبابات «حلف وارسو»، الذى كان يقوده الاتحاد السوفييتى، فى أغسطس (١٩٦٨).
أفلتت فرصة تصحيح فى بنية المنظومة الاشتراكية، وكانت النهايات محتمة.
بقوة الأفكار والتصورات، رغم الأخطاء والمثالب، ألهمت التجربة السوفييتية بأكثر من أى تجربة أخرى الجيل الثانى من حقوق الإنسان بتبنى الأمم المتحدة العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
بصورة أو أخرى وظفت قضية حقوق الإنسان فى الدعايات الأيديولوجية فى سنوات الحرب الباردة حين كان العالم منقسما أيديولوجيا واستراتيجيا واقتصاديا بين معسكرين كبيرين يتصارعان على النفوذ والقوة.
التحالف الغربى يركز على انتهاك الحقوق السياسية والمدنية لدى الطرف الآخر فى الصراع الدولى المحتدم فيما القطب السوفييتى يطعن فى أوجه غياب العدالة الاجتماعية لدى الحلفاء.
كان لدى كل طرف منطقه فى التوظيف الدعائى انطوى على شواهد حقيقية.
اصطناع التناقض بين الحقين السياسى والاقتصادى ما زالت ماثلة رغم اختلاف العصور والنظم.
بقوة التجربة الإنسانية تكاد تستحيل الآن تلك المقايضة.
الدساتير الوطنية الحديثة تنطوى على الحقوق بجميع تجلياتها ونصوصها المنضبطة ومن بينها استقلال القرار الوطنى.
فى سنوات ما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية انتصرت الثورتان الصينية والفيتنامية، انتقضت حركات التحرير الأفريقية بطلب الاستقلال الوطنى، ورفعت حركات التحرير فى أمريكا اللاتينية سلاح حرب العصابات ضد الهيمنة الأمريكية ــ كما حدث فى كوبا.
كان ذلك تأسيسا للجيل الثالث من حقوق الإنسان، الحق فى التحرر والاستقلال الوطنى وتقرير المصير.
لم يضمه عهد دولى ثالث، لكنه فرض نفسه بعدالة القضية وإرادة الشعوب الحية.
لم يكن العالم العربى خارج الاستقطاب الفكرى والسياسى، الذى صاغ تلك المرحلة.
حاولت مجموعة دول عدم الانحياز بقيادة «جمال عبدالناصر ـ مصر» و«جواهر لال نهرو ـ الهند» و«جوزيب بروز تيتو ـ يوغوسلافيا» اختراق النظام الدولى الثنائى القطبية وتأسيس آخر وفق مبادئ «باندونج».
ألهمت ثورة يوليو الجيل الثالث من حقوق الإنسان بأكثر من أية تجربة تحررية أخرى، حققت بالوقت نفسه اختراقا غير مسبوق فى التاريخ المصرى كله بقضية العدالة الاجتماعية، غير أنها أخفقت فى أن تبنى نظاما تعدديا ينتسب إلى القيم الديمقراطية.
بعد صدمة «يونيو» جرت مراجعات واسعة لأسباب الهزيمة وأوجه الخلل فى بنية النظام السياسى قادها «عبدالناصر» بنفسه داعيا إلى مجتمع سياسى مفتوح و«دولة المؤسسات والقانون» والقضاء على مراكز القوى، ودخل باجتماعات مسجلة إلى ما يشبه المحاكمة لنظامه كله.
هذا ما يجب أن نتعلمه من التاريخ.
لا فصل ولا مقايضات بين الحقوق الأساسية للمواطنين السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والتحررية على قدر المساواة.
وهذا ما يجب أن نتعلمه من العصر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حقوق الإنسان كقضية عالمية حقوق الإنسان كقضية عالمية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon