توقيت القاهرة المحلي 21:39:42 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الأبواب الموصدة فى الأزمة السودانية

  مصر اليوم -

الأبواب الموصدة فى الأزمة السودانية

بقلم :عبد الله السناوي

أمام الأبواب الموصدة تتفاقم الأزمة السودانية دون أن تتبدى حتى الآن أية فرص تمنع احتمالات الانجراف إلى فوضى ضاربة تأخذ من البلد سلامته وتحجب عن شعبه حقه فى التحول بالكامل إلى دولة مدنية.
كانت استقالة رئيس الوزراء «عبدالله حمدوك» أقرب إلى حالة طلاق بائن بين المكونين المدنى والعسكرى.
العودة إلى الشراكة بين المكونين شبه مستحيلة، فقد تقوضت ركائزها بالتدخل العسكرى الذى أطاح «حمدوك» أكتوبر الماضى، وحلت بمقتضى إجراءاته مؤسسات المرحلة الانتقالية وفرغت الوثيقة الدستورية بالتلاعب من أية قيمة، أو معنى.
أخذت أزمة الشرعية مداها وتقوضت الثقة بالكامل فى نقل السلطة إلى المكون المدنى، رمزيا برئاسة المجلس السيادى كما كانت تقضى الوثيقة الدستورية، وفعليا بهندسة أية انتخابات عامة وفق إرادة القوة.
كانت إطاحة حكومة «حمدوك» تعبيرا عن صراع محتدم على صورة المستقبل وموازين وحسابات القوى السياسية فيه.
وكانت عودته فى نوفمبر الماضى باتفاق سياسى مثير للتساؤلات والاحتجاجات مع قائد الجيش الفريق «عبدالفتاح البرهان» تعبيرا آخر عن قوة الغضب الشعبى ونفاذ الضغوط الخارجية.
ثم كانت استقالته أخيرا تعبيرا ثالثا عن تصدع أية جسور سياسية قابلة للحياة بين المكونين المدنى والعسكرى.
فشل رهانه على ترميم أزمة الثقة وإعادة الحياة إلى الوثيقة الدستورية لاستكمال مهام المرحلة الانتقالية بأقل أضرار ممكنة.
بتعريف الدور، الذى لعبه منذ اختياره رئيسا للحكومة فى أغسطس (2019)، فهو نقطة توازن بين مصالح وحسابات متعارضة.
دفعت به إلى ذلك المنصب «قوى الحرية والتغيير»، الرافعة السياسية لثورة «ديسمبر»، تقبلته القيادات العسكرية، وزكت اختياره قوى إقليمية ودولية عديدة، الأهم أنه حاز شعبية كبيرة بالنظر إلى رفضه قبول أية مناصب وزارية فى عهد الرئيس السابق «عمر البشير».
لم يكن هو المقصود بالتدخل العسكرى الذى أطاح الحكومة بقدر ما كانت «قوى الحرية والتغيير» هى المقصودة بالإبعاد والإقصاء وتحميلها مسئولية ما أطلق عليه فشل الأداء التنفيذى.
فى لحظة الإطاحة تلخصت فيه حركة الاحتجاجات الشعبية والضغوط الدولية.
اكتسب شعبية مضافة، لكنه سرعان ما خسرها بالاتفاق السياسى مع «البرهان» دون تشاور مسبق مع القوى السياسية التى صعدت به إلى منصبه.
كان ذلك خطأ فادحا فى حسابات القوة والنفوذ، وفى قراءة الشارع الغاضب الذى نظر إلى التطور الجديد باعتباره نوعا من التسليم بنتائج التدخل العسكرى.
فى لحظة النهاية بدا «حمدوك» شبه معزول سياسى وشعبى، ولم يكن أمامه غير أن يستقيل ويغادر منصبه.
المأساوى فى قصته أنه يُحمل الآن من الأطراف المتنازعة كلها تقريبا مسئولية إخفاق المرحلة الانتقالية، بتهم أقلها «الضعف» و«عدم الحسم»، كل طرف أراده أن يحسم لصالحه فيما هو يحاول أن يوازن بين الحسابات المعقدة، حتى اختلت حركته وكانت الاستقالة محتمة.
فى خطاب استقالته أعفى «حمدوك» نفسه من أية مسئولية، لم يشرح أو يوضح أسباب الأزمة مكتفيا بإرجاعها إلى «التباعد بين شريكى الحكم انعكس على مجمل مكونات الحكومة والمجتمع»، كان ذلك رغم صحته تحليقا فى العموميات!
بخروج «حمدوك» من المشهد السياسى، نهائيا أو مؤقتا، فإن مستقبل الرجل الآخر فى صيغة الحكم الانتقالى الهشة «البرهان» مسألة تحوطها تساؤلات وألغام.
انفراد العسكريين بالسلطة شبه مستحيل بقوة الاحتجاج الشعبى وتسليم السلطة للمدنيين ومحاكمة المسئولين عن إراقة دماء المتظاهرين، كما تطالب الاحتجاجات الشعبية، شبه مستحيل آخر بأى مدى منظور.
لا يعرف التاريخ أن سلطة سلمت بالتراضى الطوعى.
إننا فى مقدمة الأزمة المتفاقمة، لا فى آخرها.
بالنسبة للعسكريين فسوف يحاولون ملء الفراغ الحكومى بإسناد رئاستها إلى شخصية تكنوقراطية مشهود لها بالكفاءة، غير أن هذه الفكرة تصطدم برأى عام غاضب يدعو ويلح على الحكم المدنى الكامل وغير مستعد على أى وجه لتقبل «عرائس ماريونيت» تحركها خيوط من خلف ستار.
لفترة طويلة نسبيا عجز «حمدوك» أن يشكل حكومة جديدة بعد عودته إلى منصبه، لم يكن العسكريون مستعدون لتقبل عودة وجوه بذاتها إلى التشكيل الحكومى، ولا من يماثلها من داخل «قوى الحرية والتغيير».
الأمر نفسه سوف يتكرر مع أية حكومة كفاءات يجرى التحدث عنها الآن دون أن تكون هناك أدنى فرصة لتقبلها شعبيا، الفشل سوف يكون ذريعا.
لدرء احتمالات الفشل المسبق قرر المجلس السيادى، برئاسة «البرهان»، تشكيل لجنة للتواصل والحوار مع مكونات الحياة السياسية، وهذه مهمة شبه مستحيلة فى الظروف والتعقيدات الحالية.
فى محاولة أخرى لخفض التصعيد أطلق «البرهان» تعهدا لافتا بأنه «سوف يحافظ على الفترة الانتقالية حتى إجراء انتخابات حرة ونزيهة ترضى كل السودانيين»، وهو تعهد من المستحيل تقبله فى الشارع الغاضب.
إنها أزمة المصداقية وقد استحكمت.
أسوأ ما يحدث الآن أنه لا يوجد طريق واحد سالك إلى حلحلة الأزمة المتفاقمة، لا عند المكون العسكرى ولا لدى المكون المدنى.
تسليم السلطة للمدنيين شعار تعبوى يفتقر إلى أية آلية متماسكة تجعله ممكنا.
بصيغة أخرى فهو شعار يعبر عن إرادة عامة سوف تكسب معركتها فى النهاية دون أن يتوفر له حتى الآن جسم سياسى قادر على ترجمته فى خطط عملية للإمساك بمقاليد الأمور.
مشكلة القوى السياسية فى التنازع بين مكوناتها وتراجع نفوذها فى الشارع الغاضب.
رفض العودة للحكم العسكرى المحرك الرئيسى للاحتجاجات الشعبية المتصاعدة بأكثر من أية جهة على قدر من التنظيم.
كان مستلفتا أن بعض الاقتراحات ذهبت بعيدا فى التخيلات المحلقة مثل نقل السلطة بالكامل إلى حكومة مدنية تتولى قيادة المرحلة الانتقالية الثانية لأربع سنوات أخرى!
فكرة مماثلة ترددت بقوة فى الأيام الأولى للثورة السودانية داعية إلى تأجيل الاستحقاق الانتخابى لأطول فترة ممكنة بذريعة أن القوى الحديثة التى قادت التغيير غير مستعدة لدخول أية انتخابات فى مدى منظور.
إذا افترضنا أن الجيش قرر تسليم السلطة كاملة لحكومة مدنية، وهو سيناريو غير وارد حاليا، فمن يتسلمها؟.. بأى شرعية وبأى تفويض؟
بالنظر إلى التناقضات الداخلية، التى كانت من بين أسباب اجهاض المرحلة الانتقالية، فإنه يستحيل التوصل لأية إجابة.
بصورة أو أخرى قد يخرج «البرهان» من السلطة، غير أن الأزمة فى جوهرها لن تتغير حقائقها الأساسية، التى تعود إلى الأيام الأولى للاستقلال عام (1956) فى تتابع الانقلابات العسكرية بعد فترات قصيرة من الحكم المدنى، كأننا نذهب ونجىء من «الباب الدوار» ــ كما يقول السودانيون.
لا العسكريون اخترقوا مشكلاته الاقتصادية والاجتماعية المستحكمة وحافظوا على وحدة أراضيه، ولا المدنيون نجحوا فى تأسيس قواعد للحكم الرشيد.
لا يوجد مدخل آمن لحلحلة الأزمة السودانية سوى الحوار، لكن الطريق إليه ملغم بالاحتمالات الخطرة على السودان وأهله.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأبواب الموصدة فى الأزمة السودانية الأبواب الموصدة فى الأزمة السودانية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon