توقيت القاهرة المحلي 07:10:24 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مراجعات 5 يونيو: أين المسئولية السياسية؟

  مصر اليوم -

مراجعات 5 يونيو أين المسئولية السياسية

بقلم :عبد الله السناوي

رغم مضى العقود على هزيمة (5) يونيو (1967) هناك من يطلب حتى الآن تكريسها فى الوجدان العام كأنها قدر نهائى ومصير محتم عند طلب الحقوق الوطنية.

مراجعة أسباب الهزيمة عمل ضرورى لعدم تكرار أخطاء الماضى.

هذه مسألة تختلف تماما عن تكريسها كعقدة يجرى إنتاجها دون توقف لمصادرة أى أمل فى المستقبل.

قبل الهزيمة العسكرية بـ(٣٥) يومًا سجلت مجموعة أوراق «محمد حسنين هيكل» توصيف «جمال عبدالناصر» لأزمة الحكم، التى جعلت الهزيمة ممكنة على النحو الفادح الذى حدثت به:

«إن الأزمة لم تعد أزمة أشخاص، إنما هى أزمة نظام».

«القوى الاجتماعية والأفكار التى أطلقتها الثورة قد أصبحت أكبر من النظام السياسى الذى أقامته».

«إن النظام على النحو القائم الآن يترك مصير البلد لرجل واحد، وهذه مخاطرة بالمستقبل».

«إن هذا الوضع يمكن أن يدفع بالجماهير إلى السلبية، وبالتالى تترك أهم القرارات للبيروقراطيين أو التكنوقراطيين».

«إنه لا بد أن تتسع عملية إعادة التنظيم لقوى معارضة، تكون لها صحفها لكى تستطيع أن تعرض أفكارها على الناس، ولكى تكون رقيبًا على تصرفات الدولة».

كانت تلك مصارحة بالأفكار والتصورات والمخاوف يوم (30) أبريل (1967) قبل أن تخيم الهزيمة العسكرية على مستقبل «يوليو»، حيث ضاق نظامها عن القوى الاجتماعية والأفكار التى أطلقتها.

باليقين كانت هناك مؤامرات على ثورة «يوليو» لإجهاض مشروعها وإنهاء أدوارها، غير أنها ما كانت لتمر لولا الثغرات الداخلية فى بنية «النظام المقفول الذى يُعلق مستقبل البلد على مجهول» ــ بتعبير «عبدالناصر» فى مراجعات الهزيمة.

كانت خطة العدوان تبحث عن ذريعة.

بتقدير سياسى خاطئ وقعت مصر فى الفخ المنصوب.

هذه مسئولية «عبدالناصر» وحده.

تعددت الإشارات الموثوقة تحذر من عمل عسكرى وشيك ضد مصر.

الرئيس الفرنسى «شارل ديجول» أبلغ «عبدالناصر» عبر السفير المصرى فى باريس «عبدالمنعم النجار» أن المخابرات الفرنسية حصلت على معلومات مؤكدة أنه سيحدث هجوم عسكرى صباح (٥) يونيو راجيًا استيعاب الضربة، ثم الرد عليها، حتى يستطيع دعم القاهرة باعتبار أنها تعرضت لعدوان.

لم تأخذ القيادات العسكرية الملتفة حول المشير «عبدالحكيم عامر» تحذيرات الرئيس على محمل الجد، بل جرى الاستهتار بما حذر منه: «هوه يعنى من أولياء الله الصالحين حتى يعرف موعد الحرب، وأنه الاثنين بالذات!».

لم يكن «عبدالناصر» على دراية حقيقية بما يجرى داخل القوات المسلحة.

باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، كان يتوجب عليه ألا يترك الأمور داخلها تصل إلى هذا الحد المزرى ــ أيًا كانت أسبابه فى تأجيل الحسم.

هذه مسئولية سياسية ثانية يتحملها وحده.

عندما توافرت الذريعة بدت النتائج محتمة.

كانت الذريعة، التى سوغت العدوان، إغلاق خليج العقبة أمام الملاحة البحرية الإسرائيلية.

وقد اندفعت الأحداث على النحو التالى:

حشدت قوات عسكرية مصرية فى سيناء تحسبًا لأية ضربة متوقعة ضد سوريا.

شىء أقرب إلى المظاهرة العسكرية بلا نية حرب، أو استعداد مناسب، بظن أنها قد تدفع إسرائيل للامتناع عن استخدام القوة ضد سوريا، أو تهديد أمن حدودها.

لم يكن التقدير صحيحًا.

وهذه مسئولية سياسية ثالثة.

فى ظروفه وتوقيته كانت مشكلته أنه إذا لم يُقدم على تحرك ما على الجبهة المصرية سوف يُتهم بالتخاذل عن نصرة سوريا وتركها فريسة لآلة الحرب الإسرائيلية.

أراد مظاهرة السلاح ردعًا فيما استخدمتها إسرائيل فخًا.

طلبت مصر إخلاء قوات الأمم المتحدة من خط المواجهة بين طابا ورفح، غير أن السكرتير العام المساعد «رالف بانش»، أمريكى الجنسية، كان رأيه أنه لا مجال للانسحاب من جزء والبقاء فى آخرــ كأنه إحكام للفخ المنصوب.

أغلق خليج العقبة «تمسكًا بحق السيادة ونزولًا على مقتضيات الحرب».

وهذه مسئولية سياسية رابعة لم يجر التحسب فى لحظته لعواقبه وأخطاره.

«القرار يعنى الحرب» ــ حسب «محمد حسنين هيكل» فى كتابه «الانفجار».

تحركت قوات إسرائيلية من الشمال إلى الجنوب، حيث الجبهة المصرية، وبدا الوقوع فى الفخ نهائيًا والعدوان مؤكدًا.

مال تقدير «عبدالناصر» إلى سيناريوهين متداخلين:

الأول ــ أن القوات المسلحة قادرة على معركة دفاعية طويلة النفس لا تقدر إسرائيل رغم تفوقها العسكرى على تحمل أعبائها.

ولم تكن أوضاع القوات المسلحة فى مركز قيادتها على شىء من الكفاءة العسكرية يؤهلها لمثل هذه المعركة.

الثانى ــ أنه يمكن إدارة حرب (١٩٦٧) بالطريقة التى أديرت بها حرب السويس (١٩٥٦).

وكانت الظروف الدولية قد اختلفت جوهريًا عما كان قبل أحد عشر عامًا.

كان الأداء العسكرى فى مركز القيادة مزريًا، والقائد العام عاجزًا عن الاضطلاع بمهامه، ولا كان أغلب القادة صالحين لتولى مهامهم.

كان رأى «جمال عبدالناصر» أن النظام الذى يفشل فى صيانة التراب الوطنى لا يحق له البقاء.

فى لحظة الهزيمة استشعر أنه خذل شعبه وأمته وبدا مستعدًا أن يتحمل المسئولية كاملة، لا أسندها إلى غيره ولا بررها بأسباب خارجة عن إرادته.

فى البداية رفض استخدام مصطلح «النكسة» بخطاب تنحيه خشية أن يوحى بمحاولة للتنصل من مسئولية هزيمة يعترف بها.

شرح «هيكل»، الوحيد الذى كان بجواره فى تلك اللحظات القاسية، وجهة نظره على النحو التالى: «إن استخدام كلمة الهزيمة فى تلك اللحظة قد يعنى التسليم بنتائجها السياسية، وأن الحرب أطول مدى من جولة خسرناها، وإنها سوف تؤثر بالسلب على قوات عسكرية ما زالت تُقاتل فى سيناء، وتسعى للعودة سالمة إلى غرب القناة، كما تؤثر بالسلب على الأمة العربية كلها، وأنه من الأوفق أن يترك الرئيس الحكم والبلد فى نكسة يمكن تجاوزها فى مدى منظور من التسليم بهزيمة تلزم من بعده بنتائجها».

بفحص التجربة الطويلة بعد (5) يونيو فإنها كانت نكسة للعمل الوطنى فى مصر وانكسارا للمشروع القومى لكن لم يجرى التسليم بالهزيمة، وخاض البلد حرب استنزاف طويلة لمدة ثلاث سنوات كانت البروفة الحقيقية لعبور الجسور فى أكتوبر بقوة السلاح.

إذا كنا قد انتصرنا فى أكتوبر، وهذه حقيقة عسكرية، فما معنى تكريس هزيمة يونيو فى الوجدان العام حتى الآن.

كان ذلك هدفا مطلوبا بذاته حتى لا يرفع البلد رأسه مرة أخرى.

وهذه مسئولية سياسية تستدعى همة الخروج من أسوار الهزيمة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مراجعات 5 يونيو أين المسئولية السياسية مراجعات 5 يونيو أين المسئولية السياسية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
  مصر اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 04:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
  مصر اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية

GMT 22:47 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

مبابي يغيب عن نادي سان جيرمان حتى الكلاسيكو

GMT 21:12 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

الزمالك يحصل على توقيع لاعب دجلة محمد شريف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon