توقيت القاهرة المحلي 10:00:42 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الأزمات الاقتصادية وأثمانها.. حديث الوثائق

  مصر اليوم -

الأزمات الاقتصادية وأثمانها حديث الوثائق

بقلم - عبد الله السناوي

عند منتصف ثمانينيات القرن الماضى اعترضت الرئيس الأسبق «حسنى مبارك» أزمة اقتصادية خانقة تبدت فى انخفاض تحويلات المصريين بالخارج وتراجع إيرادات السياحة وعوائد قناة السويس وارتفاع قياسى فى الدين الخارجى.
تحت وطأة الأزمة الاقتصادية تبخرت وعود الرخاء، التى أطلقها سلفه «أنور السادات» قبل اغتياله بوقت قصير، وجاء وقت مواجهة الحقيقة.
كان «السادات» يعول على مساعدات واستثمارات غربية سوف تتدفق عليه بعد توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية (1979) تأخذ الاقتصاد المصرى من حال العوز إلى حال الازدهار.
امام الأزمة ذهب تفكير «مبارك» إلى خيارين متناقضين.
الأول، الدعوة إلى مؤتمر اقتصادى يشارك فيه أفضل النخب الاقتصادية من أكاديميين وخبراء للبحث فى أحوال الاقتصاد المصرى وسبل النهوض به من جديد.
أعطى ذلك المؤتمر أملا للرأى العام فى تصحيح اختلالات الاقتصاد، لكن مخرجاته سرعان ما نحيت جانبا، ومضت السياسات الاقتصادية على ذات النهج، كأنها ساداتية بلا «السادات»!
الثانى، أن يستعين بـ«الحلفاء الغربيين»، الذين أغدقوا الوعود لسلفه، لتخفيف اشتراطات صندوق النقد الدولى حتى لا تجد مصر نفسها مجددا أمام انتفاضة خبز جديدة تماثل انتفاضة (1977)، التى عاين وقائعها وتداعياتها من موقع نائب الرئيس.
الوثائق وحدها تكشف وتنير الصورة المهينة التى تعاملت بها رئيس الوزراء البريطانية «مارجريت تاتشر» مع الرئيس المصرى، الذى كان أقصى ما يطالب به تخفيف قبضة صندوق النقد الدولى على رقاب المصريين.
وثائق رئاسة الوزراء البريطانية، التى حصلت عليها الـ«BBC» أخيرا بمقتضى قانون حرية المعلومات توضح الأثمان المرة التى دفعت لخيارات اقتصادية خاطئة.
وفق ما كشفته الوثائق البريطانية فإن «مبارك» طلب تدخل رئيس الوزراء الإسرائيلى فى ذلك الوقت «شيمون بيريز»، وقد كانت لديه أسبابه ودواعيه للتدخل خشية اهتزاز النظام المصرى.
بين يونيو (1984) ومارس (1986) جرت ثلاث عمليات اغتيال لدبلوماسيين إسرائيليين، أحدهم ضابط فى جهاز «الموساد».
فى أغسطس (1985) اهتزت مصر عند قتل سبعة سياح إسرائيليين بسلاح الجندى «سليمان خاطر» الذى أودع سجنا وجد مشنوقا فيه بعد فترة وجيزة.
حسب الوثائق البريطانية فإن أصواتا ارتفعت فى إسرائيل تقول إن السلام مع مصر بات فى طى النسيان وأنه يتوجب على الإسرائيليين أن يفعلوا شيئا لإنقاذه.
المفاجأة الحقيقية فى الوثائق التى ازيح الستار عنها أن «تاتشر» لم تأبه بتدخلات «بيريز» لمساعدة نظام «مبارك» ماليا «للحفاظ على السلام فى الشرق الأوسط»!
منذ سبعينيات القرن الماضى هناك فكرة شبه ثابتة فى دوائر الحكم المصرية أن إسرائيل تملك مفاتيح الغرب، وإنها إذا ما تدخلت فإن كلمتها مطاعة.
الوثائق البريطانية تفند هذه الفكرة وتضع لها حدودا.
فى (17) يوليو (1986) عشية لقاء «مبارك» مع «تاتشر» اتصل مستشار «شيمون بيريز» للشئون الخارجية بـ«شارل باول» السكرتير الخاص لـ«تاتشر» طالبا «العون لصيانة السلام».
فى برقية سرية قال «باول» إن مستشار «بيريز» أيقظه فى منتصف الليل لإبلاغه الرسالة العاجلة.
سأل «باول»، المستشار الإسرائيلى عما إذا كان «بيريز» يعلم بالضبط ما سيطلبه «مبارك» غدا من «تاتشر».
كان رده أنه لا يعلم، غير أنه يتوقع أن يطلب مزيدا من المساعدة المالية.
مصر لا يصح أن تغرق ولا أن تنهض.
هذه فكرة شبه راسخة فى الاستراتيجيات الغربية المعاصرة.
غرقها مشكلة ونهضتها مشكلة أكبر.
الغرق يؤدى إلى فوضى كاملة فى الإقليم تضرب فى صميم الاستراتيجيات والمصالح الغربية.
والنهضة تفضى بحقائقها إلى تطلع مصر لقيادة العالم العربى من جديد وتحدى الاستراتيجيات الغربية.
أن تعانى مصر.. هذه ليست مشكلة، المشكلة تبدأ عندما توشك على الغرق، حينها يتوجب التدخل بالمساندة المالية دون أن يسمح لها أن تنهض مجددا.
فى لقائه مع «تاتشر» رسم «مبارك» صورة كئيبة، هكذا بالنص، لحالة بلاده الاقتصادية.
ركز على صعوبتين فى المفاوضات المتعثرة مع صندوق النقد الدولى.
الأولى، طلب زيادة أسعار الفائدة من (11%) إلى (20%).
كان تقديره أن ذلك سوف يوقف الاستثمار ويرفع الأسعار بمعدلات كبيرة.
والثانية، طلب توحيد أسعار الصرف المختلفة خلال عام واحد.
وكان تقديره أن ذلك سوف يؤدى إلى قفزة كبيرة فى الأسعار.
بصورة صريحة عبر عن مخاوفه لـ«تاتشر»: «إذا اضطرت الحكومة المصرية لقبول وصفة صندوق النقد الدولى فسوف يكون هناك خطر جسيم ينذر بحدوث اضطرابات».. «وأن ذلك سوف يلقى مصر فى أتون فوضى تؤثر على المنطقة كلها».
لم يكن «مبارك» يرفض وصفة الصندوق، كان أقصى ما يطلبه التخفيف من حدتها خشية تداعياتها على أمن النظام.
وفق الوثائق البريطانية كشف «مبارك» أنه ينتوى رفع أسعار الكهرباء فى أبريل (1987) عندما يكون طلبة الجامعات مشغولين بالامتحانات فتقل فرص حدوث اضطرابات.
رغم كل تلك المناشدات والشروح لم تكن بريطانيا بوارد الاستجابة له، فمصر لا بد أن تتبع وصفة الصندوق كما هى.
اضطر «مبارك» إلى شىء من الإذعان وشىء آخر من المناورة.
قال إنه «يدرك أن تطبيق توصيات الصندوق فى مصلحة مصر، غير أن لديه شعبا يريد أن يأكل ولا يستطيع ببساطة أن يتحرك بالسرعة التى يطلبها الصندوق».
غير أنه سرعان ما عاد إلى طلبه الرئيسى أن يساعده الأصدقاء فى إقناع الصندوق بأن يتفاوض بطريقة معقولة.
مرة بعد أخرى عادت «تاتشر» لتؤكد على موقفها، ضرورة الالتزام بما يطلبه الصندوق.
هكذا بوضوح كامل وصل إلى حد الصفاقة.
قالت: «إنها يمكن أن تتفهم ما يقوله لكنه يجب أن يقتنع الصندوق بأنه وصل إلى حدود الممكن» قاصدة الإذعان الكامل.
بدت تلك العبارة أقرب إلى عملية نسف لأهداف زيارة «مبارك».
بتأكيد آخر على موقفها قالت: «إنها سوف تنظر فى التعليمات التى أعطيت لممثل المملكة المتحدة فى الصندوق لكنها لا يمكن لأن تكلفه أن يفعل أى شىء غير معقول فى الأساس».
حسب الوثائق البريطانية فإن ألمانيا انتهجت الموقف نفسه.
ترك «مبارك» نهبا للأزمة الاقتصادية، التى داهمت سنواته الأولى فى الحكم، حتى يكون مضطرا إلى تبنى سياسات تناقض فى كثير من الحالات المصالح الاستراتيجية المصرية، فكل أزمة اقتصادية ثمن لا بد أن يدفع وقد دفع مضاعفا.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأزمات الاقتصادية وأثمانها حديث الوثائق الأزمات الاقتصادية وأثمانها حديث الوثائق



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon