توقيت القاهرة المحلي 20:07:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المعركة الأخيرة لنظام دولى متهالك!

  مصر اليوم -

المعركة الأخيرة لنظام دولى متهالك

بقلم :عبد الله السناوي

تجاورت أنصاف الحقائق على نحو غير مسبوق فى الأزمات الدولية حتى كادت سلامة النظر أن تغيب خلف سحب الدعايات الكثيفة.

فى المشهد الأوكرانى روايتان متناقضتان للحوادث الدامية وأسبابها، إحداهما تصف الأخرى بـ«امبراطورية الشر» ــ قاصدة روسيا.. والثانية تصف الأولى بـ«امبراطورية الكذب» ــ قاصدة الولايات المتحدة.

بإيحاء الألفاظ فإننا أمام أزمة يصعب الرهان على أنها قد تتوقف قريبا.

لا روسيا مستعدة أن تتراجع خطوة واحدة عما تسميه حقها الشرعى بالدفاع عن أمنها الاستراتيجى عند حدودها المباشرة.

ولا الولايات المتحدة مستعدة أن تفلت خصمها التاريخى من الحصار الدبلوماسى والسياسى والمالى والرياضى غير المسبوق، الذى ضربته حولها.

برواية الرئيس الأمريكى «جو بايدن» فى خطاب حالة الاتحاد فإن نظيره الروسى «فلاديمير بوتين» شن حربا غير مبررة على أوكرانيا، رفض الحلول الدبلوماسية، وانتهك القانون الدولى بالعدوان على أراضى دولة أخرى، «لكننا كنا جاهزين».

أراد أن ينفى أية اتهامات لإدارته بالضعف فى إدارة الأزمة، فقد توقعت غزو أوكرانيا واستعدت مع حلفائها الأوروبيين لمواجهته بتضامن وفاعلية وقوة حتى تكون كلفته مؤلمة.

كانت تلك رسالة أولى للرأى العام الأمريكى لترميم صورته قبل أى استحقاق انتخابى منتظر، حيث تشير أغلب استطلاعات الرأى العام إلى تراجع شعبيته بأثر أزمة الطاقة المتوقعة.

وأراد أن ينفى بالوقت نفسه عن موسكو أية أحقية سياسية وأمنية أو أخلاقية فى تصعيد الأزمة، التى كان يمكن حلها بالوسائل الدبلوماسية لولا رفض «بوتين».

كانت تلك رسالة ثانية للرأى العام العالمى بدواعى التعبئة والتحشيد لإحكام الحصار على روسيا إلى آخر مدى ممكن حتى يمكن عزلها.

ناهضت موسكو تلك الرواية دون أن تتمكن من عرض قضيتها على الرأى العام بعدالة وإنصاف.

لم تكن الفرصة متكافئة على أى نحو، أو بأى قدر، بين الطرفين المتصارعين.

احتكر طرف واحد التحدث باسم الحقيقة، مارس الحد الأقصى من الضغوط لـ«شيطنة» الطرف الآخر، فهو أصل كل الشرور، الذى يعتدى ويغزو ويروع، دون سبب أو داع!

استخدمت كل الأسلحة، المشروعة وغير المشروعة، الحقيقية والمصطنعة، فيما حرمت وسائل الإعلام الروسية مثل «سبوتينك» و«RT» بالمصادرة والمنع من أن تصل إلى المشاهد الأوروبى ليحكم بنفسه.

كان ذلك نفيا لأبسط قواعد حرية الصحافة والإعلام والتفكير، التى تنص عليها الدساتير والتقاليد الغربية.

فى إدارة الأزمة استبيحت كل المحرمات!

ثم كان مأساويا فى جهود إغاثة النازحين من لهيب النار فى أوكرانيا إلى دول الجوار ما جرى من تمييز عنصرى ضد أصحاب البشرة السمراء من مواطنى العالم الثالث، العرب والمسلمين خصيصا.

بأية معايير حديثة فإن الإنسان هو الإنسان ومعاناة اللجوء والتشريد واحدة بغض النظر عن الجنس والدين واللون.

التمييز العنصرى وصمة عار لا يمكن إنكارها.

كان مثيرا للالتفات ما أبدته إسرائيل باسم الإنسانية المعذبة من تضامن مع أوكرانيا، فيما تمارس فى فلسطين المحتلة أبشع أنواع الفصل العنصرى!

كما كان مثيرا للالتفات المدى البعيد الذى ذهبت إليه جميع المؤسسات الدولية بلا استثناء واحد فى فرض الحصار على موسكو دون أن يعهد عنها أى استعداد لأية مواجهة مع إسرائيل وغير إسرائيل فيما يتعلق بمستقبل العالم العربى وحقه فى الحرية والعدل.

ازدواجية المعايير من أبرز سمات النظام الدولى، الذى ولد بعد الحرب العالمية الثانية.

الازدواجية نفسها تطرح نفسها الآن بتوظيف الأزمة الإنسانية لمقتضى مصالح واستراتيجيات غربية دون التزام حقيقى بحياة الأوكرانيين، الذين أصبحوا رهائن لصراعات القوى الكبرى، التى تتجاوز أوكرانيا إلى مستقبل النظام الدولى كله.

بتلخيص ما فإننا قرب نهاية نظام دولى استهلك زمنه وطاقته على البقاء دون أن تتضح معالم نظام جديد يوشك أن يولد.

فى أحوال الانتقال الصعب من نظام دولى إلى آخر لا يريد القديم أن يخلى مواقعه ومراكز نفوذه، يقاتل بأكبر درجة من التحشيد والتعبئة للدفاع عن مصالحه الاقتصادية والاستراتيجية خشية ما تسفر عنه التحولات من حقائق جديدة تصنع عالما غير العالم الذى تمدد فيه نفوذها.

جرت محاولات ترميم للشروخ والتصدعات فى التحالف الغربى تحت عنوان «وحدة الموقف» فى مواجهة الخطر الروسى، لكنها لا تصلح لإبقاء ما استهلك زمنه على قيد الحياة لفترة طويلة.

صفحة كاملة فى التاريخ توشك أن تطوى بكل توازناتها وحساباتها وتحولاتها.

بعد الحرب العالمية الثانية انقسم العالم أيديولوجيا واستراتيجيا واقتصاديا.

تصارع على النفوذ قطبان عظميان هما الاتحاد السوفييتى والولايات المتحدة فيما يعرف بـ«الحرب الباردة»، التى انتهت بانهيار جدار برلين وتقوض حلف «وارسو» ــ الذى كان يقابل حلف «الناتو» على الجانب الآخر.

فى سنوات ما بين نهاية الحرب العالمية الثانية وانهيار جدار برلين شمل نفوذ الاتحاد السوفييتى شرق أوروبا، التى اجتاحها الجيش الأحمر، والشرق الأقصى، حيث انتصرت الثورة الصينية وحاربت الثورة الفيتنامية تحت الرايات نفسها، واصلا إلى القارتين الإفريقية التى طلبت حركات تحريرها الاستقلال الوطنى، واللاتينية التى رفعت سلاح حرب العصابات ضد الهيمنة الأمريكية ــ كما حدث فى كوبا.

لم يكن ممكنا أن يتعرض الاتحاد السوفييتى بحجم دوره وتأثيره لمثل الأزمة الحالية، أو أن تطالب دول مثل بريطانيا بطرده من مجلس الأمن!

إذا ما حدث مثل هذا السيناريو فإنها نهاية النظام الدولى بأسره ودخول العالم فى فوضى كاملة.

هناك فارق جوهرى بين الاستجابة للحقائق بلا معاندة وبين المغامرة بالحماقة.

القضية ليست أن يحدث أو لا يحدث تغيير جوهرى فى بنية النظام الدولى.

سوف يحدث مثل هذا التغيير، لكن السؤال كيف؟

عند انهيار جدار برلين تجاورت فكرتان متناقضتان عند مطلع تسعينيات القرن الماضى:

الأولى ــ إن «نهاية التاريخ» قد حلت وأن الليبرالية الغربية سوف تفرض منطقها وهيمنتها على العالم بأسره، والقرن الحادى والعشرون سوف يكون كما سلفه أمريكيا.

والثانية ــ أن مستقبلا مماثلا لما حدث للاتحاد السوفييتى سوف تتعرض له القوة الأمريكية وظل السؤال معلقا: متى؟

على مدى أكثر من ثلاثين سنة من القيادة الأمريكية المنفردة استبيحت دول وقضايا، هنا فى العالم العربى أكثر من غيره، غير أن الاستباحة امتدت إلى روسيا نفسها، وريثة الاتحاد السوفييتى، جرى الاستهتار بها على نحو فادح والتنكر لكل الالتزامات التى قطعها الغرب على نفسه مقابل إعادة توحيد الألمانيتين.

قضية «بوتين» صحيحة وعادلة فى طلب الأمن لبلده، ألا يتمركز حلف «الناتو» فى محيطه الأمنى الاستراتيجى، ألا تنصب الصواريخ المتقدمة فيه، أو ألا تعمل أوكرانيا على امتلاك أسلحة نووية بخبرة متوارثة من الاتحاد السوفييتى.

بصورة أو أخرى جرى استدراجه للدخول فى مواجهة عسكرية مفتوحة حتى تكون مستنقعا للقوة الروسية يستنزفها ويمنع بحقائق القوة أية فرصة لتحالف ممكن مع التنين الصينى الصاعد والحذر بالوقت نفسه.

فى الإرث السياسى الروسى أوكرانيا ليست دولة عادية، فقد نشأت فى كنف الاتحاد السوفييتى السابق، ضمت إليها أراضى جديدة، روسية وغير روسية، وأخذت حجما استثنائيا فى استراتيجيته السياسية والعسكرية.

روسيا الحالية ليست الاتحاد السوفييتى السابق.

العالم اختلف تماما وجذريا عما كان عليه عقب الحرب العالمية الأولى.

منطق الثورة السوفييتية يختلف تماما وجذريا عن منطق الدولة الحالية أيديولوجيا وفكريا وسياسيا.

أوكرانيا لم تعد على ذات الوضع، الذى كانت عليه فى تلك الحقبة البعيدة عند اندلاع الثورة البلشيفية عام (1917).

لكل عصر حساباته وتوازناته.

من دواعى غضب «بوتين» أن الغرب لم يتقبل دمج روسيا بعد نهاية الحرب الباردة فى منظوماته، أن تكون عضوا عاملا فى الاتحاد الأوروبى، رغم تخليها عن عقيدتها الماركسية، ولا تقبل انضمامها إلى حلف «الناتو»، الذى يوصف بالادعاء أنه «قوة محبة للسلام» رغم جرائم الحرب البشعة التى ارتكبها فى يوغسلافيا السابقة وأفغانستان والعراق وليبيا.

رغم كل التحولات فى بنية النظام الدولى، ظلت روسيا عدوا محتملا فى الاستراتيجيات الغربية حتى وصلنا إلى الصدام المفتوح.

عنوان الأزمة الحالية: أوكرانيا.. وجوهرها: مستقبل النظام الدولى.

الحقائق الرئيسية سوف تأخذ وقتها حتى تتكشف ويستبين كامل ملامحها فى عالم يتغير.

نحن أمام المعركة الأخيرة للقوى المتنفذة فى النظام الدولى المتهالك، وكلفتها سوف تكون باهظة على العالم بأسره.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المعركة الأخيرة لنظام دولى متهالك المعركة الأخيرة لنظام دولى متهالك



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 09:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يفتح آفاقا جديدة في علاج سرطان البنكرياس

GMT 08:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:54 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أغنياء المدينة ومدارس الفقراء

GMT 09:59 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

GMT 10:29 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

شريف مدكور يُعلن إصابته بفيروس يُصيب المناعة

GMT 12:37 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

طبيب الأهلي يعلن جاهزية الثلاثي المصاب للمباريات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon