توقيت القاهرة المحلي 13:28:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بلفور وما بعده.. سيناء ومستقبلها!

  مصر اليوم -

بلفور وما بعده سيناء ومستقبلها

بقلم : عبد الله السناوي

 

بقوة الوثائق استهداف مصر هو صلب التفكير الاستراتيجى الغربى المؤسس لـ«وعد بلفور». بمقتضى نصه فإن الحكومة البريطانية تلتزم بـ«إنشاء وطن قومى للشعب اليهودى فى فلسطين وأنها سوف تبذل قصارى جهدها لتسهيل تحقيق هذا الهدف».

كان ذلك هو الوجه المباشر للوعد، الذى وقعه وزير الخارجية البريطانى اللورد «آرثر بلفور» يوم (٢) نوفمبر (١٩١٧) فى كلمات معدودة وقاطعة أرسلها إلى اللورد «جيمس روتشيلد»، راعى الحركة الصهيونية العالمية، غير أن ظاهر النص لا يخفى ما وراءه من حسابات وترتيبات تتعلق بصميم وحجم ما يمكن أن تلعبه مصر من أدوار.

وفق عشرات الوثائق البريطانية لم يتأسس «وعد بلفور» على أسطورة «العودة إلى أرض الميعاد»، لكنه وظفها لمقتضى رؤية استراتيجية لمستقبل العالم العربى ــ مصر بالذات وبالتحديد.

فى مذكرة تلقاها رئيس الوزراء البريطانى «لويد جورج» ــ بعد أربع سنوات من إعلان «وعد بلفور» ــ اقترح مدير العمليات فى الشرق الأوسط الكولونيل «ريتشارد ماينر تزهاجن»: «ضم سيناء إلى فلسطين» حتى يكون ممكنا «وضع حد فاصل». المذكرة ــ التى رفعت إلى رئيس الوزراء عبر الجنرال «اللنبى» ــ رأت فى مثل هذا الضم تأكيدا قويا لمركز بريطانيا بالشرق الأوسط.

لماذا نزع سيناء عن مصر؟ ولماذا ضمها إلى فلسطين ــ الوطن اليهودى الموعود؟ تقول المذكرة: «إن ضم سيناء يوفر اتصالا سهلا بالبحرين المتوسط والأحمر وقاعدة استراتيجية واسعة النطاق مع ميناء حيفا الممتاز، الذى سنستعمله بموافقة اليهود». وأن «من حسنات هذا الضم أنه سيحبط أى محاولة مصرية لإغلاق القناة فى وجه ملاحتنا، كما سيمكننا من حفر قناة جديدة».

بتعبير الأستاذ «محمد حسنين هيكل» فهذه تبدو وكأنها تصور مستقبل أكثر منها مذكرة مكتوبة لرئيس وزراء بريطانيا سنة (١٩٢١). بلغة الوثائق، ولا شىء غيرها، يمكن استنتاج أن الفلسطينيين دفعوا ثمنا مروعا لاستهداف مصر وأن المقاومة فى غزة حمت بفواتير الدم مصر وعالمها العربى من أبشع السيناريوهات.

إذا سقطت المقاومة الفلسطينية فإن مشروع التهجير القسرى سوف يأخذ مداه من غزة إلى سيناء، ومن الضفة الغربية إلى الأردن. وإذا سقطت المقاومة اللبنانية فإن زلازل المشرق العربى بتصدعاته وتداعياته سوف تمتد إلى جميع أرجاء المنطقة العربية.

لم يكن كلام رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتانياهو» عن جراحات فى خرائط الشرق الأوسط تهويما فى فراغ الاستراتيجيات، أو تفلتا لفظيا بلا أساس. إنها قصة طويلة من الصراع على مصير المنطقة.. وفى قلبه سيناء ومستقبلها.

بكلام موثق فإن الرؤية الاستراتيجية المؤسسة لـ«وعد بلفور» تعود إلى الجنرال الفرنسى «نابليون بونابرت»، الذى أكسبته حملته على مصر وإطلالته على المشرق العربى نظرة للمستقبل وما يجب تبنيه من سياسات تمنع ذلك البلد المحورى من أن يمثل قوة ضاربة فى الإقليم تغير معادلاته وتضر بالمصالح الفرنسية ــ الغربية عموما.

تبدت أمامه «الورقة اليهودية» حلا ممكنا لمعضلة تحجيم مصر، التى كان يراها بموقعها الفريد «أهم بلد فى العالم»، هكذا بالنص، وأن من يسيطر عليها يتحكم فى موازين القوى العالمية. هو أول من تبنى فكرة وطن عازل، لا عربى ولا إسلامى، بين مصر والمشرق العربى.

بنظرة ثاقبة أخرى للأستاذ «هيكل» فى قراءة وثائق الصراع العربى الإسرائيلي: «كانت ميزة بريطانيا فى فترة صعودها أن تحفظ الدرس من أعدائها وتطبق ثقافتهم بأفضل منهم».

هكذا حفظت الدرس عن «بونابرت» وطبقت ثقافته الاستراتيجية أفضل من الفرنسيين حتى تكون صحراء سيناء نوعا من «سدادة الفلين» تقفل عنق الزجاجة المصرية، التى يمثلها وادى النيل (والتشبيه من خطاب لـ«روتشيلد» موجه إلى رئيس الوزراء البريطانى «بالمرستون» بتاريخ ٢١ مايو ١٩٣٩).

وقد كانت تجربة «محمد علىس واتساع مدى حركة جيشه بالمشرق العربى وشبه الجزيرة العربية وتهديده لعاصمة الخلافة العثمانية داعيا إلى تعاظم المخاوف الغربية من أى صعود مصرى جديد يكرر تجربته، وسببا مباشرا لإعطاء زخم متصاعد لاحتواء مصر بعازل مع سوريا.

لم يكن «وعد بلفور» سوى الصيغة التنفيذية لذلك التخطيط، الذى أخذ مداه مرحلة بعد أخرى حتى نكبة عام (١٩٤٨) وما تبعها من حروب وصدامات وتراجعات أخطرها خروج مصر من حلبة الصراع العربى الإسرائيلى بعد اتفاقية «كامب ديفيد» نهاية سبعينيات القرن الماضى.

قد يقال ــ بظاهر نص «وعد بلفور» ــ أن مفعوله انقضى، فقد أنشئت تلك الدولة منذ نحو (76) عاما، وأن ما تضمنه من «أنه لا يمثل تحيزا ضد الحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة فى فلسطين ــ قاصدا سكانها العرب» ثبت أنه محض مراوغة دبلوماسية بريطانية معتادة، فقد كان التحيز ضد كل حق عربى وفلسطينى مطلقا حتى وصل فى الحرب الحالية على غزة إلى التواطؤ شبه المطلق.

لم تكن مصادفة تزامن «وعد بلفور» مع اتفاقية «سايكس بيكو»، التى قسمت بمقتضاها دول عربية وأنشئت أخرى.

فى عالم ما بعد الحرب العالمية الأولى ماجت المسارح السياسية الأوروبية بالسيناريوهات والأفكار عن مستقبل العرب، بعضها طرح دولة عازلة يهودية وبعضها الآخر مال إلى دولة مسيحية عاصمتها القدس دون أن يكون لهم رأى، أو مشورة. ولم يكن هناك سر على أحد يريد أن يتابع ويكون له موقف فيما يخص مستقبله لكن عدم التنبه لمكامن الخطر بدا شبه كامل.

لم يعد ممكنا إعادة رسم خرائط الشرق الأوسط بالقلم والمسطرة على النحو الذى حصل فى اتفاقية «سايكس بيكو» بين الإمبراطوريتين الفرنسية والبريطانية تقاسما للنفوذ فى المنطقة العربية قرب تقوض الخلافة العثمانية.

رغم مضى أكثر من قرن على وعد بلفور فإن جوهر الاستراتيجية الغربية بكتل النيران المشتعلة فى غزة ولبنان ما يزال ماثلا فى المكان بتحدياته ومخاطره فوق الخرائط العربية المتصدعة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بلفور وما بعده سيناء ومستقبلها بلفور وما بعده سيناء ومستقبلها



GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 08:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon