توقيت القاهرة المحلي 21:14:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

زيارة جديدة إلى برقاش

  مصر اليوم -

زيارة جديدة إلى برقاش

بقلم - عبد الله السناوي

 

حين حلت الذكرى الرابعة لرحيله فى فبراير (2020) دعتنى السيدة قرينته أن نطل معا على بيته الريفى فى برقاش حتى أرى ما طرأ على المكان من إصلاحات حاولت أن تعيده إلى صورته القديمة قبل أن تنال منه حرائق مروعة يوم فض اعتصامى «رابعة العدوية» و«النهضة».
ثم أتاحت الظروف مؤخرا زيارة ثانية بدعوة أخرى لتصوير شهادة عن «الأستاذ»، عصره ومعاركه، فى عين المكان الذى شهد حواراتنا المتصلة على مدى ستة عشر عاما، من ضمن فيلم تسجيلى أنتجته أسرته يغلب عليه الجانب الإنسانى.
من المقرر أن تعرض نسخة مختصرة فى مئويته (23) سبتمبر الحالى، التى يحتضنها متحف الحضارة حيث الإرث المصرى القديم بجلال أثره.
بمناسبة المئوية أنتجت محطة «الوثائقية» المصرية فيلما وثائقيا آخر من ثلاثة أجزاء عن تجربة وإرث «محمد حسنين هيكل».
فى ذلك الفيلم الوثائقى المطول تحدثت شخصيات دولية وعربية ومصرية، أبرزها «أندرو نايت» أحد أبرز الصحفيين البريطانيين فى العصر الحديث، الذى ترأس مجلة «الإيكونوميست» الاقتصادية الشهيرة قبل أن يترأس بفضل صيته فى الإدارة الصحفية مجموعة صحف «التايمز»، و«الأخضر الإبراهيمى» وزير الخارجية الجزائرى الأشهر، وحال رحيل «طلال سلمان» مؤسس صحيفة «السفير» اللبنانية بعد إجراء جميع الترتيبات من مشاركة مماثلة.
فى الفيلمين التسجيليين تحدثت لأول مرة السيدة قرينته «هدايت تيمور» عن تجربتها الإنسانية، قصة زواجهما والأيام الصعبة والحلوة معا.
بقدر ما هو ممكن ساهمت بالاقتراح والمشاركة المباشرة بأمل إضاءة بعض الجوانب المجهولة فى سيرة «صحفى القرن».
بعد عشر سنوات من حرائق برقاش تجولت الكاميرات فى المكان وسجلت بعض أثار الجريمة التاريخية رغم الإصلاحات التى جرت.
اكتسب ذلك البيت الريفى قوته الرمزية من شخصية صاحبه، ومن اجتماعاته التى ضمت على امتداد العقود شخصيات دولية وإقليمية ومصرية رفيعة ومؤثرة، ومن الحملات المتصلة عليه.
فيما نُسب للرئيس الأسبق «حسنى مبارك» تعليقا على الأجواء التى كانت تحيط «هيكل»: «لم يعد ينقصه إلا أن يضع علما خلفه، وهو يتحدث أمام الشاشات، أو يستضيف اجتماعات فى برقاش».
قبل فض الاعتصامين، حيث كان متواجدا فى سردينيا الإيطالية، وصلته أنباء عن حملة تحريض تستعدى بقوائم سوداء ضمت اسمه وكلام عن أدوار قام بها، أو وساطات تولاها بين الفرقاء، بينما كان بعيدا يقضى إجازته الصيفية.
سألته فيما يشبه الإلحاح أن يتمهل بعض الوقت قبل الوصول إلى القاهرة ويدير دفة عودته إلى اتجاه آخر عند الساحل الشمالى بالقرب من الإسكندرية.. فـ«عند انفلات الأعصاب لا أحد بوسعه أن يتوقع ما قد يحدث».
كعادته أخذ وقته فى التفكير قبل أن يستقر قراره على أنه من الأوفق أن يكون قريبا من الأحداث يتابعها من الساحل الشمالى بعيدا عن العاصمة وكمائن الخطر فيها.
فى ظهيرة الأربعاء (١٤) أغسطس (2013) اقتحمت مجموعات مسلحة الباب الرئيسى لبيت برقاش، الذى لا يوجد عليه ما يشير إلى صاحبه، بعد أن أحرقت بزجاجات المولوتوف حديقته الأمامية.
أخذت تدمر كل ما فيه من أثاث ولوحات وذكريات، أحرقت حدائقه بأشجارها ونباتاتها، واستحال البيت أطلالا تساقطت جدرانه بتفجيرات أنابيب غاز.
لم تكن هناك شرطة تردع، فمقراتها تعرضت لاعتداءات فى موجة عنف شملت دور عبادة وعدالة ومنشآت عامة ومبانى حكومية.
لم يكن فى علم الذين خططوا لإلحاق الأذى المادى والمعنوى بصاحب البيت أن الخسائر أفدح مما تصوروا.
«أول ضربات الكوارث أن الكتلة الرئيسية من الكتب النادرة والوثائق التاريخية، التى لا سبيل لتعويضها راحت» ـ على ما قال واصفا النتائج المروعة.
بعد الحرائق بأيام أرسل فريقا صور كل شىء تهدم وخرب، وكانت الصور مفزعة غير أنها لم تعكس حجم الخسارة الفادحة التى تتجاوز الرجل إلى الذاكرة العامة.
من بين ما راح مجموعات الوثائق الدولية والإقليمية حول مصر وتاريخها المعاصر مرتبة بطريقة علمية، لكل وثيقة ثبت يحدد موقعها وموضوعها، نشر أغلبها فى كتبه، أو استخدمها فى سياقات ما روى.
كان يدرك قيمة الوثائق ويعرف كيف يقرإها، لا تمنعه تفاصيلها من أن يصل إلى جوهرها وأن يضع الأساسى فيها داخل سياق تتسق فيه رواياته للتاريخ، أن تكون «كل كلمة بوثيقة».
«عندما تتاح الوثائق أمام الباحثين والمؤرخين والصحفيين فإنه قد تكون لهم وجهات نظر أخرى فى قصة ما جرى من صراع على المنطقة بقدر ما تتيحه العصور الجديدة من معلومات ورؤى لم تكن متوافرة فى وقتها».
الكتب والرسائل والأوراق النادرة التى أفلتت من الحرائق أودعت فى مكتبة الإسكندرية.
طوال الوقت طاردته الأسئلة عن مصير ما لديه من وثائق، كتب وألح كثيرون على عودتها إلى مصر، وهو نفسه فى مقدمات مجموعة كتبه عن حرب الثلاثين عاما فى طبعاتها الجديدة أخذ يتحدث عن الوثائق بمداخلات مختلفة، قبل أن يعترف بأنها باتت عبئا على مشاعره.
لم يكن يعرف أحد أين وثائق «هيكل» حيث أحاط سره وراء ستائر كثيفة من الكتمان، باستثناء عدد محدود للغاية بمقتضى الحاجة إلى أدوارهم، أبرزهم سيدة تعمل فى مكتبه شبه مجهولة لمن يترددون عليه.
ذات يوم أوشك أن يبوح لى بسر الأسرار فى حياته.
قاطعنى مبتسما وأنا أتحدث عن مأمن وثائقه فى لندن قائلا: «ليست فى لندن».. «هذا كلام شائع لكنه ليس صحيحا»، «أريدك أن تتأكد أنت بالذات من أنها ليست فى لندن».
كانت تلك نصف مصارحة لم يستكمل نصفها الآخر، ربما جال فى خاطره لحظتها بيت شعر قديم يحفظه ويستعيد حكمته دوما: «إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه.. فصدر الذى يستودع السر أضيق».
خامرتنى ظنون أنها قد تكون فى مأمن أوروبى آخر، حتى اكتشفت فى الزيارة الأولى لبرقاش بعد رحيله ما لم يخطر ببال أحد، أنه كان يحفظها هنا طوال الوقت، لم تتحرك كتلتها الرئيسية يوما من موضعها فى «بيت الورد» الأقرب أن يكون كوخا سويسريا حتى جرى النيل منها.
يقال عادة «إن الحذر لا يمنع قدر».
كانت تلك قمة المأساة فى قصة «بيت برقاش»، الذى كان يوصف يوما بـ«العاصمة الموازية».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زيارة جديدة إلى برقاش زيارة جديدة إلى برقاش



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 20:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

مصر تؤكد على دعم سوريا وأهمية حماية المدنيين
  مصر اليوم - مصر تؤكد على دعم سوريا وأهمية حماية المدنيين

GMT 16:48 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إياد نصار يُشوق متابعيه لفيلمه الجديد ويُعلِّق
  مصر اليوم - إياد نصار يُشوق متابعيه لفيلمه الجديد ويُعلِّق

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 18:47 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"

GMT 11:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تتفاوض مع شركات أجنبية بشأن صفقة غاز مسال طويلة الأجل

GMT 13:21 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الأهلي يتعاقد مع "فلافيو" كوم حمادة 5 سنوات

GMT 15:07 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 07:34 2018 الأربعاء ,18 تموز / يوليو

شيخ الأزهر يستقبل توني بلير ويعرب عن دعمه لمصر

GMT 06:35 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خروج فتحي وسامي عن قائمة بيراميدز أمام سموحة

GMT 00:26 2021 الأحد ,23 أيار / مايو

عمرو جمال يقترب من الانضمام لـ«بيراميدز»

GMT 11:47 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

شوبير يهاجم الكاف بسبب ملعب مباراة الأهلي وسونيديب

GMT 10:53 2020 الأحد ,13 كانون الأول / ديسمبر

الكاف يبحث مقترحا جديدا بشأن مباراتي الزمالك وبطل تشاد

GMT 04:30 2020 الإثنين ,02 آذار/ مارس

الزمالك يدرس بيع فرجاني ساسي ومحمود علاء

GMT 18:16 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

رينيه فايلر يرفض إراحة لاعبي الأهلي عقب لقاء المقاصة

GMT 04:01 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

Brabus تستعرض أسرع سيارات مرسيدس من الفئة "G"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon