توقيت القاهرة المحلي 22:22:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

غزة وكييف.. مأزق بايدن المزدوج!

  مصر اليوم -

غزة وكييف مأزق بايدن المزدوج

بقلم - عبد الله السناوي

فى حربى أوكرانيا وغزة يجد الرئيس الأمريكى «جو بايدن» نفسه أمام مأزق مزدوج قد يكلفه خسارة الانتخابات الرئاسية نوفمبر المقبل.
المأزق المزدوج إخفاق مؤكد.
فى الحربين طرح سؤال مستقبل النظامين الدولى والإقليمى.
بحكم النتائج الماثلة يصعب أن يكسب رهاناته على قيادة أمريكية منفردة للنظام الدولى وهيمنة كاملة على مقادير شرق أوسط جديد.
المفارقات سمة رئيسية فى أية مقاربة للحربين.
لم يبد الرئيس الأوكرانى «فولوديمير زيلينسكى» أى تعاطف بأية درجة مع الضحية الفلسطينية.
لم يتردد للحظة واحدة فى دعم آلة الحرب الإسرائيلية.
ولم يعترض على حرب الإبادة التى يتعرضون لها الفلسطينيون فى غزة تقتيلا وتجويعا واستهدافا لأية مقومات حياة.
بالمقابل مانع أغلب العرب فى أى تعاطف مع الدعايات الغربية، التى ركزت على المأساة الإنسانية بأوكرانيا.
كانت دواعيهم أن الولايات المتحدة، والغرب كله، لا يوثق فى مواقفهم حين تحاول أن تنسب نفسها إلى الإنسانية وقيمها.
كانت تلك مفارقة صارخة، لكنها كاشفة لنوع وحجم الاصطفاف الدولى وفجوات الثقة المتراكمة.
فى الأيام الأولى للحرب الأوكرانية، قبل عامين بالضبط، بدا التحشيد الإعلامى هيستيريا إلى درجة منع تدريس الأعمال الأدبية الروسية فى الجامعات الإيطالية ووقف أية عروض بالية تنتسب إلى الإرث الحضارى الروسى.
قيل فى نقد ذلك الهوس إنهم يخلطون بين «بوشكين» و«بوتين!»
بمضى الوقت وتطورات المعارك خفتت تلك اللغة الاستئصالية بحمولات الجهل فيها.
ارتفعت أصوات فى قلب المؤسسات الغربية تحذر من محاولات إذلال روسيا وعواقبها الوخيمة.
العكس تماما حدث فى حرب غزة.
فى البداية لاقت السردية الإسرائيلية لما حدث فى السابع من أكتوبر رواجا إعلاميا واسعا قبل أن تتهاوى حملات التشهير بالمقاومة الفلسطينية.
أفضت الأكاذيب، التى ثبت عدم صحتها عن فظائع ارتكبت فى ذلك اليوم، إلى انقلاب فى بوصلة الرأى العام الغربى.
كما أفضت مشاهد التقتيل والتدمير المروعة إلى استقطاب مشاعر إنسانية عميقة تطلب وقف حرب الإبادة.
لعبت وسائل الاتصال الحديثة أدوارا جوهرية فى إطلاع الرأى العام الغربى لأول مرة بتاريخ الصراع العربى الإسرائيلى على حقيقته ومأساته.
خرجت تظاهرات بمئات الآلاف فى الحواضر الغربية الكبرى تؤيد الضحية الفلسطينية كما لم يحدث منذ نكبة (1948).
أحيت القضية الفلسطينية بعد الظن إنها توارت للأبد ودخلت طيات النسيان.
هزمت إسرائيل استراتيجيا وأخلاقيا بغض النظر عن النتائج الأخيرة فى الميدان.
لم تحدث مثل هذه التفاعلات الشعبية داخل الغرب فى حربه الأوكرانية.
عندما أقدم «فلاديمير بوتين» على ما أسماه العملية الخاصة ربما اعتقد أنها سوف تكون قصيرة وحاسمة بالنظر إلى فوارق القوة العسكرية بين البلدين.
بنى «بوتين» أسبابه للتدخل العسكرى على اعتبارات أمنية بالمقام الأول.
كان رفضه قاطعا لوجود تمركزات لحلف «الناتو» على حدوده المباشرة، بعكس التعهدات التى قطعتها الولايات المتحدة مقابل اعتراف موسكو بوحدة الألمانيتين مطلع تسعينيات القرن الماضى.
لم تكن حسابات «بوتين» دقيقة، فقد استغل الغرب ذلك التدخل لتوريط بلاده فيما يشبه المستنقع الأفغانى، الذى أفضت تداعياته إلى انهيار الاتحاد السوفييتى.
انخرط التحالف الغربى فى حرب بالوكالة على الأراضى الأوكرانية بذريعة حماية المدنيين الأوكرانيين مما يحيق بهم من تشريد وجرائم.
يستلفت الانتباه هنا ما وفرته الإدارة الأمريكية من غطاء استراتيجى شبه مطلق لآلة الحرب الإسرائيلية للمضى فى تدمير حياة وأمن أكثر من مليونى فلسطينى هدمت بيوتهم وجرت بحقهم حروب إبادة وتجويع.
استخدمت حق النقض بمجلس الأمن لمنع استصدار أى قرار يوقف تلك الحرب.
لم تكن الحرب على غزة سوى مواجهة بالسلاح من أجل الهيمنة على الشرق الأوسط ومنع أى فرص حقيقية أمام دولها لاكتساب استقلال قرارها الوطنى.
بنظرة مقاربة لم تكن أوكرانيا موضوع الحرب على أراضيها بقدر ما كانت ضحيته.
موضوع الصراع مستقبل النظام الدولى وموازين القوى فيه.
طلب الرئيس الأمريكى «جو بايدن» ترميم صورة القوة العظمى الوحيدة رافعا شعار «أمريكا عادت».
أعاد ترميم حلف «الناتو»، الذى كاد يتقوض على يد سلفه «دونالد ترامب» حين طلب من حلفائه أن يتحملوا تكاليف الدفاع عن أنفسهم رافعا شعار: «الدفع مقابل الأمن».
مشكلة «بايدن» أنه أفرط بالتوجه العكسى.
أقحم دول الحلف فى الحرب الأوكرانية تمويلا وتسليحا وتدريبا وانخراطا استخباراتيا بالعمليات العسكرية، لكن النتائج لم تتوافق مع الرهانات.
فشلت عملية الهجوم المضاد الأوكرانى فى إحراز اختراق عسكرى يساعد على فرض نوع من السلام على روسيا.
ترنحت الرهانات الأمريكية بينما أثبتت روسيا قدرتها على التماسك بأكثر من أى توقع مسبق أمام العقوبات الاقتصادية القاسية، التى فرضت عليها.
تضررت روسيا من أثار الحرب على أدوارها السياسية والاستراتيجية على المسرح الدولى، لكنها أيدت وتعاطفت وتبنت ما تطلبه المجموعة العربية فى مجلس الأمن من قرارات دولية توقف الحرب فى غزة دون أن تتجاوز حدود الدبلوماسية.
باليقين فإنها من أكثر الذين استفادوا من التورط الأمريكى فى تلك الحرب واستحكام مأزق «بايدن» الداخلى على خلفية اتساع المعارضة داخل حزبه الديمقراطى للسياسة التى يتبعها.
على مشارف العام الثالث من الحرب فى أوكرانيا تقوضت نهائيا «رهانات بايدن» على نصر ما.
أى سلام ممكن سوف يكون اعترافا بالهزيمة.
فى ظل التراجع المرجح للمساعدات الأمريكية والأوروبية بضغط النواب الجمهوريين فى الكونجرس بدأت التقارير الدولية تشير إلى أن أية مفاوضات محتملة تعنى «التنازل عن أجزاء من أوكرانيا إلى روسيا».
هكذا لا يمكن لـ«بايدن» التراجع ولا يمكنه بالوقت نفسه الاستمرار فى الحرب.
هذا مأزق محكم يجد نفسه فيه.
بذات الوقت يعترضه فى الحرب على عزة مأزقا آخر أكثر إحكاما.
لا يقدر على فرض تصوراته على الحكومة الإسرائيلية لليوم التالى، ولا يحتمل أن تفلت فرص التهدئة من بين يديه فتستحكم أزمته الداخلية.
فى ذلك المأزق المزدوج سوف يتقرر مصيره الانتخابى، كما رهانه على نظام دولى تتحكم فيه منفردة القوة الأمريكية، وقد يخسر بالوقت نفسه أى رهان على شرق أوسط جديد تلغى من فوق خرائطه القضية الفلسطينية جوهر الصراع على الإقليم ومستقبله.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غزة وكييف مأزق بايدن المزدوج غزة وكييف مأزق بايدن المزدوج



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon