توقيت القاهرة المحلي 22:01:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

غيوم فوق إسطنبول!

  مصر اليوم -

غيوم فوق إسطنبول

بقلم - عبد الله السناوي

 توشك تركيا أن تطوى حقبة كاملة من تاريخها الحديث وتبدأ أخرى دون أن يكون واضحا إلى أين تمضى؟.. وأى مستقبل ينتظرها فى إقليم مشتعل بالنيران؟ بدت الانتخابات البلدية بأجوائها ونتائجها ورسائلها إلى المستقبل المنظور أقرب إلى كشافات تزيح بعض غيوم المستقبل، لا الغيوم كلها، التى تخيم فوق إسطنبول منذ فترة غير قصيرة. أطلت مجددًا التساؤلات نفسها، التى صاحبت الانتخابات الرئاسية الأخيرة وحصد نتائجها رجب طيب أردوغان رئيسًا وحزبه "العدالة والتنمية" الأكثرية البرلمانية.

فارقت النتائج الانتخابية هذه المرة أية توقعات وتكهنات مسبقة بأن يكتسحها "أردوغان"، كما العادة حيث لم يخسر أى استحقاق انتخابى على مدى (22) عامًا.

لأول مرة حل "العدالة والتنمية" ثانيًا بعد غريمه التاريخى "الشعب الجمهوري". إنه التصويت العقابى على خلفية الأزمة الاقتصادية والحرب على غزة حيث استحكمت الأولى وتعرضت سياساته فى الثانية إلى انكشاف غير مسبوق. فى مايو (2023)، قبل عام تقريبًا، اكتسبت الانتخابات الرئاسية أهميتها من اختبارين رئيسيين. الأول، وقع الزلزال وخسائره المهولة على الرأى العام ونظرته إلى مدى مسئولية "أردوغان" فى توفير إجراءات سلامة المباني، التى تهدمت وكفاءة إدارته للأزمة فى ظل الترويع العام، الذى ضرب البلاد.

الثاني، تراجع الأحوال الاقتصادية وتصدع قيمة الليرة التركية بعد سنوات من الانتعاش والآمال الواسعة أن يكون القرن الحادى والعشرين قرنًا تركيًا فى الإقليم. اعتقدت المعارضة وشواهد القلق العام ماثلة فى الشوارع أن فرصتها قد حانت لإزاحة "أردوغان" عن السلطة غير أنه ربح رهاناته على صورته كـ"رجل قوى" بوسعه أن يتجاوز محنة الزلازل بأقل خسائر ممكنة. استدعى رهان إزاحته وحدة المعارضة حول مرشح واحد هو "كمال كليجدار أوغلو"، زعيم حزب "الشعب الجمهوري"، حزب "مصطفى كمال أتاتورك" مؤسس الجمهورية التركية، لكنه لم يكن المرشح الأفضل، فهو متقدم بالسن ويفتقد إلى الكاريزما.

فتحت الملفات الإقليمية كلها أمام الرأى العام وجرت تحت ضغط انتقادات المعارضة محاولات تصويب للبوصلات السياسية والاستراتيجية بالانفتاح على مصر دون إغلاق جميع ملفات التنازع وأخطرها غاز البحر المتوسط وانفتاح مماثل على الخليج بدواعى تنشيط الاقتصاد المعتل وتخفيض درجة التوتر فى الإقليم. كانت تلك استدارة استراتيجية لافتة لكنها لم تصل إلى مداها. فى (7) أكتوبر من نفس عام الانتخابات الرئاسية وجد "أردوغان" نفسه أمام مأزق محكم، كيف يتصرف؟.. وإلى أى مدى يمكنه أن يمضى فى تحدى القوة الأمريكية التى تدعم إسرائيل بصورة شبه مطلقة فى عدوانها على غزة؟ مال إلى إبقاء كل سياسة على حالها، ارتفعت لغة الخطاب دون أن تراوح مداها اللفظى، لا تقلصت العلاقات الدبلوماسية والتجارية ولا انخفضت معدلات التعاون فى الصناعات العسكرية.

لم يكن هناك موقفا واحدا يتجاوز الكلام السياسى العام ويثبت الحضور التركى فى الصراع على مصير القضية الفلسطينية، التى تحظى تقليديًا بدعم شعبى كاسح. ثم جاءت تطورات الحرب الأوكرانية لتقوض إلى حد كبير أدوار اسطنبول فى الوساطة بين الأطراف المتحاربة. فى منتصف الطريق بدا كل شىء معلقًا، التحالف الافتراضى مع روسيا وإيران، والدور التركى فى الأزمات السورية والعراقية والليبية والصراع على الغاز فى الشرق المتوسط. بصورة أو أخرى انقضت فترة السماح التى منحت للرئيس التركى عند تجديد ولايته وطرحت الأسئلة الكبرى نفسها مجددا على إسطنبول وسط غيوم كثيفة تكاد لا تبين صورة مستقبل ذلك البلد الجوهرى فى معادلات الإقليم والصراع عليه. إلى أين من هنا؟ وإلى أى حد تؤثر الحرب على غزة على الدور التركى؟ بقوة الحقائق تقدمت تركيا لملء الفراغ فى مشرق العالم العربى إثر احتلال العراق عام (2003)، فالتاريخ لا يعرف الفراغ. بنفس الوقت تقدمت إيران بوسائل أخرى لملء ذلك الفراغ. كان ذلك بعد عام واحد من بداية حقبة "أردوغان".

فى سنواتها الأولى بدت إسطنبول مدينة عصرية منفتحة على عالمها لا تتنكر لتاريخها وتتحدث عن المزاوجة بين إرث العلمانية والثقافة الإسلامية، ولديها آمال واسعة فى بناء قوة اقتصادية كبيرة وتحسين مستويات شعبها. تزاوجت الأوضاع الداخلية الملائمة والأحوال الإقليمية المتغيرة فى بناء قوة دفع لدور تركى جديد يعتمد على قوتها الناعمة قبل أى شىء آخر، غير أن الرهانات على "العثمانية الجديدة" سرعان ما تقوضت ودخلت تركيا فى حزام من المشاكل والأزمات مع دول عربية عديدة ومؤثرة، كأنها انتقلت فجأة من شعار "صفر مشاكل" إلى أحوال "كل المشاكل". هذه حقبة انقضت بكل رهاناتها وإخفاقاتها.

التغيير حادث لا محالة، مع "أردوغان" أو بدونه. السؤال الحقيقي: بأى قدر.. وفى أى اتجاه؟ كان ذلك سؤال الانتخابات الرئاسية وما بعد زلازل الطبيعة. ثم عاد ليطرح نفسه فى الانتخابات البلدية وما بعد زلازل الحرب على غزة. بحسه البراجماتى قام "أردوغان" باستدارة استراتيجية عملت على توفيق الأوضاع والمصالح وفق الحسابات المتغيرة بتخفيف التوتر مع مصر إلى أقصى حد ممكن ومد خيوط التعاون الاقتصادى مع دول الخليج بقدر ما هو متاح. بتوقيت متزامن جرت استدارة استراتيجية موازية من اللاعب الإيرانى مالت إلى التهدئة وفتح صفحة جديدة مع مصر والخليج.

غير أن الحرب على غزة أربكت كل الحسابات وبدت فوهات البراكين مفتوحة على كل الجبهات وكل الدول دون استثناء واحد. لم تكن تلك الحرب عنوانًا أول فى الانتخابات البلدية، لكنها كانت حاضرة فى لتفاعلات والنتائج، التى داهمت "أردوغان" وحزبه والمعارضة نفسها. لم يقدر الحزب الحاكم على حصد أية بلدية كبرى، أو استعادة أية بلديات فاز بها حزب "الشعب الجمهوري" فى عام (2019). كانت إعادة انتخاب "أكرم إمام أوغلو" فى إسطنبول لطمة هائلة لـ"أردوغان" ورسالة إلى المستقبل المنظور، إنه قد يكون الرئيس التركى فى أول انتخابات رئاسية مقبلة.

باعتراف "أردوغان" نفسه فإن الهزيمة الانتخابية "نقطة تحول". بتعبير آخر فإنها تؤشر على قرب طى صفحة "أردوغان" فى السياسة التركية دون أن يكون واضحًا المرسى الذى قد تستقر عنده. إنها غيوم المستقبل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غيوم فوق إسطنبول غيوم فوق إسطنبول



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري

GMT 18:33 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميا خليفة تحضر إلى لبنان في زيارة خاصة

GMT 14:47 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

الحضري على رأس قائمة النجوم لمواجهة الزمالك

GMT 11:13 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

ما وراء كواليس عرض "دولتشي آند غابانا" في نيويورك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon