توقيت القاهرة المحلي 15:24:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

النار في الأرض المقدسة.. نبوءات هيكل

  مصر اليوم -

النار في الأرض المقدسة نبوءات هيكل

بقلم - عبد الله السناوي

راح يتذكر ذلك اليوم من شهر مارس عام (١٩٤٨) عندما دلف إلى «أخبار اليوم»، وكل من قابله يخبره بأن الأستاذ «مصطفى أمين» يسأل من وقت لآخر عما إذا كان وصل الجريدة.
ما إن أطل عليه بادره: «أين أنت.. النقراشى باشا يطلب أن يراك الآن».
حامت تصورات وتوقعات وتساؤلات غير أن ما جرى لم يرد فى تصور، أو توقع.. فقد كان رئيس الحكومة «محمود فهمى النقراشى» مشغولا بما يجرى فى فلسطين، وأراد أن يستقصى الحقائق من الصحفى الشاب العائد توا من مسارحها الملتهبة.
سأل مستفهما عن المستعمرات اليهودية وما رآه من استعدادات للحرب كان قد وصفها بأنها «نُذُر شر».
وسأل متشككا عما إذا كان صحيحا أنه شاهد بنفسه فى إحدى المستعمرات «أكثر من ستين مدرعة» على ما روى فى سلسلة تحقيقاته «النار فى الأرض المقدسة».
لم يكن رئيس الحكومة مقتنعا بما قرأ وسمع: «أنت يا ابنى الكلام ده جبته منين؟».. «أنت تبالغ فيما تقول والأمور ليست بالخطورة التى تتحدث عنها»!
لم تكن مصر قررت دخول الحرب.. والرجل الذى أُرسلت قواته إلى فلسطين بعد أسابيع قليلة يتصور أن ما قرأه وسمعه مبالغات صحفى فى الرابعة والعشرين من عمره يصوغ مشاهداته بتوابل إثارة تتطلبها مهنته.
هكذا وفرت له التغطية الميدانية الإلمام بحقائق الموقف والقدرة على التنبؤ بما سوف يحدث لاحقا.
منذ ذلك الوقت المبكر استقرت فى كتاباته قضية فلسطين، قبل أى قضية أخرى، من «النار فى الأرض المقدسة» إلى «العروش والجيوش» عن يوميات حرب (1948) بالوثائق الرسمية على جزأين إلى «المفاوضات السرية» فى ثلاثة أجزاء، وقد كانت الأكثر مبيعا فى تاريخ الكتب السياسية العربية.
لمرة أخرى استعاد الأستاذ «محمد حسنين هيكل» بعض المشاعر، التى تملكته فى أثناء تغطيته لحرب فلسطين، وهو يوجه رسالة عبر صحيفة «العربى» للشيخ «رائد صلاح»، الذى يطلق عليه «شيخ الأقصى».
«إن الأقصى معنى كبير قبل أن يكون معلما خالدا بالنسبة لنا جميعا، فهو الحسنيان معا، إذا جازت الاستعارة، فهو تاريخ القداسة، وهو قداسة التاريخ، الأقصى إلى جانب ذلك كله ماثل دائما فى حياتى، فالله وحده يعلم عدد المرات التى جئت فيها إلى رحابه قادما عن طريق الخان الأحمر، وهو الطريق المؤدى من أريحا إلى القدس داخلا من باب رأس العامود، ماشيا من حوارى خان الزيت على الطريق الواصل إليه، مصليا فيه وماشيا منه إلى كنيسة القيامة داعيا، ثم خارجا لكى أغطى وقائع الأحداث من سنة ١٩٤٧ إلى سنة ١٩٤٨ ــ وكاتبا فى كل ما نشرت بأنها النار فى الأرض المقدسة، غير أن القضية تتعدى أى شخص وأى مؤتمرات صحفية قد يعقدها، فللكلمات طاقتها وحدودها، التى لا تستطيع تجاوزها إذا لم تستند إلى موقف سياسى شعبى واسع من داخل الأرض المحتلة نفسها، فقد شاءت الأقدار أن يتحملوا هم ــ قبل غيرهم وفى مقدمة الصفوف ــ عبء الدفاع عن المسجد الأقصى».
بعد أقل من ثمانية أعوام على رحيله فى (17) فبراير (2016) تأكدت مجددا وبأقوى صورة رمزية الأقصى فى الصراع العربى الإسرائيلى.
لم تكن مصادفة أن تحمل عملية السابع من أكتوبر اسم «طوفان الأقصى».
تحمل الفلسطينيون وحدهم، كما توقع وتنبأ، عبء الدفاع عن المسجد الأقصى، وتكاليف إحياء القضية الفلسطينية، التى جرى الظن أنها ذهبت إلى النسيان.
الذاكرة أقوى سلاح فى الدفاع عن القضايا العادلة.
وقد كان دوره جوهريا فى إحياء الذاكرة وتوثيق الصراع على المنطقة، وفلسطين فى قلبها.
«لا يوجد شىء فى الأدبيات المتاحة عن الشرق الأوسط الحديث يقارن بسرده المحكم المفصل عما حدث فى أثناء حربى ١٩٦٧ و١٩٧٣ إلى ما قبل أوسلو».
«كتاب المفاوضات السرية أفضل من مئات الأطروحات المتخصصة فى الشرق الأوسط، على أقل تقدير يمكنك أن تعرف من خلال ذلك الكتاب أن عملية السلام حققت ٩٠٪ من مطالب طرف و١٠٪ من مطالب طرف آخر، وأن ذلك سوف يؤدى لصدمة مستقبلية».
هكذا كتب الدكتور «إدوارد سعيد» فى صحيفة «الجارديان» البريطانية عام (١٩٩٦) تحت عنوان «المراقب المستقل».
بصورة أو بأخرى فإن «هيكل» و«سعيد» تشاركا، كلٌّ بطريقته ومن موقعه، فى كشف حقيقة أوسلو وعملية السلام كلها.
لم يكن ذلك رجما بالغيب.
النبوءات السياسية تكتسب صدقيتها من ملامسة الواقع بلا تزييف وقراءة الحسابات والتوازنات والمصالح ونصوص الاتفاقيات وما خلفها دون أوهام.
[كان إدوارد سعيد أول من لمح الخلط الواقع فى الصف الفلسطينى وشخصه، وشاركنا معا فى اجتماع خاص فى جنيف سنة (1988) هدفه بحث الخيارات المطروحة على القيادة الفلسطينية، مع لحظة تعرضت فيها لضغوط شديدة لكى تقدم ما يطلق عليه «تنازلات»..... ثم توافقنا فيما بعد بغير اتفاق على ردة فعل إزاء موقف واحد من اتفاقية أوسلو، وشرحت موقفى لأول مرة فى محاضرة فى الجامعة الأمريكية، لكن إدوارد فى أمريكا كان يتحدث إلى العالم، فقد رفع صوته صافيا، متصاعد الإيقاعات، معبرا بحيوية خلابة، شاهدا بالحق على دور الموقف والمثقف، وحين يختار المعلم أن تصل ذخيرته إلى العالم الأوسع بسرعة دون انتظار التأثير البطىء فى المحيط الأكاديمى، فهو يريد أن يلحق الحوادث ويلامس المستقبل، وكذلك يسبق موتا يعرف أنه فى انتظاره، وكان ذلك مشهدا جليلا من أى منظور تقع عليه عين أو يستشعره وجدان].
كان ذلك ما كتبه على صفحات جريدة «العربى» عند رحيل المفكر الفلسطينى الأكبر فى سبتمبر (2003).
كانت قد مضت سنوات طويلة وقاسية على اليوم الذى خط فيه باسم الرئيس «جمال عبدالناصر» مطلع ستينيات القرن الماضى فى رسالة شهيرة إلى الرئيس الأمريكى «جون كينيدى»: «من لا يملك أعطى وعدا لمن لا يستحق.. ثم استطاع الاثنان من لا يملك ومن لا يستحق بالقوة والخديعة أن يسلبا صاحب الحق الشرعى حقه فيما يملك وفيما يستحق».
بدت تلك إشارة بليغة لوعد «بلفور»، الذى مهد لتأسيس الدولة العبرية فى فلسطين المحتلة.
ما بين وعد «بلفور» وتهويد ما تبقى من أراض فلسطينية محتلة بدا متأكدا أنه إذا لم يتنبه العرب والفلسطينيون إلى ما قد يتعرضون له من نكبات جديدة فإنها واقعة لا محالة.
بنظرة إلى حقائق الصراع فإن المقاومة الفلسطينية بحجم التضحيات التى بذلت أثمانها الباهظة فى غزة تبدو كمحاولة بطولية لوقف حدوث نكبة ثانية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النار في الأرض المقدسة نبوءات هيكل النار في الأرض المقدسة نبوءات هيكل



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 13:16 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها بالسعودية
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها بالسعودية

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon