توقيت القاهرة المحلي 20:59:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حقيقة الأدوار في أكتوبر

  مصر اليوم -

حقيقة الأدوار في أكتوبر

بقلم - عبد الله السناوي

لسنوات طويلة اختزلت حرب أكتوبر (1973) فى رجلين: «أنور السادات ــ بطل الحرب والسلام»، ثم «حسنى مبارك ــ بطل الضربة الجوية الأولى».
كان ذلك إجحافا بالقادة العسكريين الذين خططوا ودربوا وقاتلوا، وبعضهم سيرته لامست الأساطير، كما كان إجحافًا ببطولات الجنود الذين قدموا من قلب الحياة المصرية وضحوا بحياتهم حتى يرفع البلد رأسه من جديد.
امتد الإجحاف إلى القادة الكبار فى حرب الاستنزاف، التى كانت بروفة لحرب أكتوبر.
التاريخ لا يكتب على الهوى، أو بمقتضى الأحوال المتغيرة.
بعد خمسين سنة على أكتوبر تحتاج مصر إلى إنصاف أدوار الرجال فى ملحمة الحرب، أن تتوافر أمام أجيالها الجديدة المعلومات الأساسية عن كل دور فى حجمه وحدوده دون مبالغة فى دور، أو تهوين من آخر.
إنها مسألة وثائق تغيب بفداحة عن السجال العام.
يحسب للرئيس «أنور السادات» أنه الرجل الذى تحمل مسئولية قرار الحرب.
هذا حقه دون شك.
كل شىء بعد ذلك يحتاج إلى إسناد بالوثائق، لا بالدعايات.
بحكم موقعه فإن مسئوليته الأولى هى الإدارة السياسية للحرب.
حسب شهادة «هنرى كيسنجر» وزير الخارجية الأمريكى فى ذلك الوقت فإن القوات المصرية ألحقت بإسرائيل حتى يوم (13) أكتوبر هزيمة عسكرية لم تكن متوقعة استدعت طلبا ملحا لوقف إطلاق النار.
كان ذلك اعترافا بحقائق الموقف العسكرى على جبهات القتال بعد أسبوع من الحرب.
بالتوقيت نفسه مدت الإدارة الأمريكية جسرا جويا إلى إسرائيل ليعوضها بالأسلحة المتقدمة عن خسائرها الفادحة منعا لانهيار كامل.
الحقائق وحدها تتحدث، بقوة الوثائق والاعترافات.
كيف خذلت السياسة بطولة الرجال فى حرب أكتوبر؟
هذا هو السؤال الجوهرى الذى يطرح نفسه على الرأى العام دون إجابة موثقة وكاملة.
بصياغة أخرى: ما الحسابات التى حكمت تصرفات «السادات» فى لحظة احتدام المعارك العسكرية؟
لم يكن «السادات» معنيا بالتوثيق أو تسجيل المحاضر الرسمية، على عكس «جمال عبدالناصر» حيث وثائق مرحلته مرتبة ومنظمة فى الأرشيفات الرسمية.
الوثائق مسألة دولة وذاكرة أمة لا يصح بأية حال تغييبها حتى تصل بعد عدد من السنين إلى الرأى العام حتى لا يكرر أية أخطاء ارتكبت فى الماضى.
هناك سؤال جوهرى آخر: لماذا أبلغ «السادات» «كيسنجر» عبر قناة المخابرات الأمريكية يوم (7) أكتوبر: «إننا لا نعتزم تعميق مدى الاشتباكات، أو توسيع مدى المواجهة»؟
كانت تلك الرسالة، التى حملت توقيع مستشاره للأمن القومى «حافظ إسماعيل»، داعية لاستغراب «كيسنجر» متسائلا: «لماذا لم ينتظروا؟».
وفق الأستاذ «محمد حسنين هيكل»، الذى كان أول من أشار إلى الرسالة الخطيرة، فإنها «لأول مرة ــ ربما فى التاريخ كله ــ يقول فيها طرف محارب لعدوه نواياه كاملة ويعطيه من التأكيد ما يمنحه حرية فى الحركة السياسية والعسكرية على النحو الذى يراه ملائما له وعلى كل الجبهات».
الإدارة السياسية هى الملف الأخطر فى قصة حرب أكتوبر.
الحروب تقاس فى نهاية المطاف بنتائجها السياسية.
الوثائق الأمريكية متوافرة لمن يريد أن يطلع.
والأرشيف الإسرائيلى يفرج عنه بمناسبة خمسين سنة على الحرب دون أن تتوافر أية وثائق رسمية تشرح وتوضح الصورة على الجانب المصرى.
ويحسب لـ«حسنى مبارك» صعوده لموقعه العسكرى باعتبارات انضباطه وكفاءته فى ظروف ما بعد هزيمة يونيو (1967).
وقد بلغ دوره العسكرى ذروته يوم (14) أكتوبر (1973) فى معركة المنصورة الجوية، التى تعد واحدة من ملاحم الحرب.
قبل أربعة شهور من رحيله اختار هذا التاريخ ليطل على المصريين لآخر مرة مسجلًا شهادته عن أكتوبر فى مقطع فيديو عبر منصة «يوتيوب».
أراد أن يذكر بدوره فى «أكتوبر» ويسجل روايته للأحداث والوقائع التى عاينها من موقعه. وهذا حق مكفول لكل الذين لعبوا أدوارا فى ميادين القتال، أو على مسارح السياسة، حتى يستوفى التاريخ رواياته قبل أن يخضعها للبحث والتقصى والتدقيق وفق المناهج المستقرة.
لكل دور سياقه وطبيعته وحدوده التى لا يصح تجاوزها وإلا فإنها تسحب بغير حق من أدوار القيادات الأخرى.
فى الفيديو الأخير أشار «مبارك» بأكثر من موضع إلى اسم الفريق «سعد الدين الشاذلى»، رئيس أركان القوات المسلحة فى حرب أكتوبر، وهو ما لم يفعله أبدًا طوال سنوات حكمه.
تبنى مجددا وجهة نظر «السادات» فى الثغرة دون أن يأت على ذكر فرية انهيار «الشاذلى».
أى بلد يحترم نفسه يحتاج إلى رد اعتبار تاريخه بالوثائق حتى يمكن التوصل إلى الحقيقة بما يحفظ سلامة الذاكرة الوطنية.
يستلفت الانتباه هنا أن الخطة (2000)، التى اعتمدت مع خطتى «جرانيت1» و«جرانيت2» فى شهر مارس (1971) قبل رحيل «عبدالناصر» بشهور قليلة، جهزت لاحتمال قيام القوات الإسرائيلية الخاصة باختراق قناة السويس فى اتجاه معاكس من الشرق إلى الغرب بقصد النفاذ وراء الجيوش وشل الصواريخ المصرية.
حسب «هيكل» فإن تفاصيل هذه الخطة تكاد تشير بالتحديد لمنطقة الدفرسوار.
الوثائق تساعد باليقين على سد فجوات وتباينات الرواية التاريخية لأكثر وقائع الحرب إثارة للجدل.
من يتحمل مسئولية الثغرة، ومن كان على صواب ومن كان على خطأ فى طريقة معالجاتها؟
فى تراجيديا حرب أكتوبر غاب أى إنصاف لدورى القائد العام المشير «أحمد إسماعيل على» ورئيس الأركان الفريق «سعد الدين الشاذلى».
الأول، غيب ذكره بعد رحيله عام (1975) حتى يفسح المجال لبطل أوحد للحرب!
والثانى، شوهت صورته فى عهد «السادات» وأدخل السجن فى عهد «مبارك» وحذفت صورته من بانوراما أكتوبر، كأن رئيس الأركان لم يكن موجودا فى غرفة العمليات!
نسب إلى «السادات» أن «الشاذلى» انهار أثناء الثغرة، غير أن «عبدالغنى الجمسى»، الذى لم يؤيد وجهة نظر «الشاذلى» فى الثغرة وطريقة مواجهتها، نفى تلك الفرية.
فيما سجل «الشاذلى» و«الجمسى» وقادة آخرون مثل اللواء «عبدالمنعم واصل» شهاداتهم على التاريخ، فإنه لم يتسن للمشير «أحمد إسماعيل على» أن يكتب روايته للأحداث.
لا يعقل التجهيل الكامل بدور القائد العام للقوات المسلحة المصرية، كأنه لم يكن موجودا أو مؤثرا فى صناعة الحوادث العاصفة.
المشكلة الحقيقية فى النظر إلى التاريخ غلبة الأهواء على حساب الحقائق.
الوثائق وحدها هى التى تنصف الرجال، هذا ما تحتاجه مصر لسلامة ذاكرتها الوطنية بعد خمسين سنة على حرب أكتوبر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حقيقة الأدوار في أكتوبر حقيقة الأدوار في أكتوبر



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 20:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

مصر تؤكد على دعم سوريا وأهمية حماية المدنيين
  مصر اليوم - مصر تؤكد على دعم سوريا وأهمية حماية المدنيين

GMT 16:48 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إياد نصار يُشوق متابعيه لفيلمه الجديد ويُعلِّق
  مصر اليوم - إياد نصار يُشوق متابعيه لفيلمه الجديد ويُعلِّق

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 18:47 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"

GMT 11:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تتفاوض مع شركات أجنبية بشأن صفقة غاز مسال طويلة الأجل

GMT 13:21 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الأهلي يتعاقد مع "فلافيو" كوم حمادة 5 سنوات

GMT 15:07 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 07:34 2018 الأربعاء ,18 تموز / يوليو

شيخ الأزهر يستقبل توني بلير ويعرب عن دعمه لمصر

GMT 06:35 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خروج فتحي وسامي عن قائمة بيراميدز أمام سموحة

GMT 00:26 2021 الأحد ,23 أيار / مايو

عمرو جمال يقترب من الانضمام لـ«بيراميدز»

GMT 11:47 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

شوبير يهاجم الكاف بسبب ملعب مباراة الأهلي وسونيديب

GMT 10:53 2020 الأحد ,13 كانون الأول / ديسمبر

الكاف يبحث مقترحا جديدا بشأن مباراتي الزمالك وبطل تشاد

GMT 04:30 2020 الإثنين ,02 آذار/ مارس

الزمالك يدرس بيع فرجاني ساسي ومحمود علاء

GMT 18:16 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

رينيه فايلر يرفض إراحة لاعبي الأهلي عقب لقاء المقاصة

GMT 04:01 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

Brabus تستعرض أسرع سيارات مرسيدس من الفئة "G"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon