توقيت القاهرة المحلي 08:02:00 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التهجير القسري وسؤال سيناء

  مصر اليوم -

التهجير القسري وسؤال سيناء

بقلم - عبد الله السناوي

يلوح شبح نكبة فلسطينية وعربية ثانية فى أفق القصف الإسرائيلى العشوائى المتصل على غزة للانتقام من بيوتها وأهلها بعد عملية طوفان الأقصى، التى أذلت جيشها كما لم يحدث من قبل.
تتصاعد عمليات التقتيل والترويع لإجبار أكثر من مليون فلسطينى على النزوح من شمال غزة إلى جنوبها تمهيدا لتوطينهم فى سيناء على ما تخطط إسرائيل.
فى النكبة الأولى (1948)، أجبر نحو (750) ألف فلسطينى على النزوح من ديارهم وقراهم بالترويع والمجازر، التى ارتكبتها العصابات الصهيونية المسلحة.
بعد (75) عاما تتكرر مشاهد الترويع بصورة أفدح، تقتيل جماعى بكتل نيران هدمت بنايات فوق رءوس أهلها وأزالت أحياء بكاملها، استخدمت القنابل الفسفورية المحرمة دوليا، قطعت الكهرباء والمياه وقصفت المستشفيات وسيارات الإسعاف، للوصول إلى الهدف نفسه.. «التهجير القسرى».
نزح عشرات الآلاف إلى الجنوب هربا من الموت المحقق دون أن يكون لديهم أدنى استعداد لمغادرة القطاع المنكوب إلى سيناء والتوطن فيها بذريعة الأمن والحماية!
تستهدف الدعوات الإسرائيلية الملحة والمكثفة لإخلاء شمال غزة أمرين رئيسيين:
الأول، اقتحام غزة بعملية عسكرية برية واسعة لاجتثاث حركة «حماس» وتصفية قياداتها.
حروب المدن بذاتها مكلفة.
بالنظر إلى أن قطاع غزة يعيش فيه أكثر من مليونى فلسطينى على مساحة لا تتجاوز (365) كيلو مترا مربعا فإن العواقب قد لا تطيقها آلة الحرب الإسرائيلية، التى نالتها خسائر فادحة فى «طوفان الأقصى» وفقدت ثقتها فى نفسها.
بصورة أو أخرى تطلب إسرائيل عملية تلفزيونية غير مكلفة لإعادة هيبة جيشها وقدرته على الردع بعد أن تكون قد أخلت شمال غزة ودمرت كل ما ينبض بالحياة فيها.
الثانى، يتجاوز الحساب العسكرى المباشر إلى الاستهداف الاستراتيجى بإعادة طرح سيناريوهات «الوطن البديل» فى ظروف وحسابات جديدة تبدو فيها الولايات المتحدة والتحالف الغربى وحلف «الناتو» الطرف الآخر المباشر فى الصراع المحتدم على المصير الفلسطينى.
الوطن البديل طرح نفسه أولا فى «الخيار الأردنى»، أو أن ينزح سكان الضفة الغربية إلى الجهة الأخرى من نهر الأردن حتى يتم الاستيلاء عليها بالكامل والتوسع الاستيطانى فيها دون ممانعة من الكتل السكانية الفلسطينية.
تراجع ذلك الخيار بأثر تطورين مهمين، أولهما، بروز الهوية الوطنية الفلسطينية المستقلة بعد حرب (1967)، التى وجدت تعبيرها السياسى فى منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعى ووحيد للشعب الفلسطينى.. وثانيهما، توقيع معاهدة وادى عربة، بين الأردن وإسرائيل عام (1994).
ثمة اعتقاد أردنى راسخ، رغم تلك الاتفاقية، إنه إذا ما جرى توطين فى سيناء بذريعة الإفلات من الموت فإن الخطوة التالية سوف تكون إجبار أهالى الضفة الغربية بمجازر مماثلة على الزحف إلى الضفة الأخرى.
إعادة إنتاج سيناريوهات وهواجس الوطن البديل تعبير صريح عن تقوض مبدأ «حل الدولتين»، وعدم استعداد الدولة العبرية لأى انسحابات من أية أراض عربية محتلة منذ عام (1967) على ما تنص القرارات والمرجعيات الدولية.
الوطن البديل طرح نفسه ثانيا على سيناء المصرية بدواعى التخلص من صداع غزة والمقاومة المتمركزة فيها.
رغم معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، التى وقعت عام (1979)، ظل ذلك المشروع مطروحا فى دوائر التفكير والتخطيط الإسرائيلية.
طرحه رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو» على الرئيس الأسبق «حسنى مبارك»، الذى كان رأيه قاطعا إنه «لا أنا ولا من هو أتخن منى يقدر على التخلى عن سيناء».
كان ذلك الاستنتاج صحيحا ودقيقا، إنه المستحيل بكل اعتبار، أو بأى حساب.
«التهجير القسرى» أخطر من الفصل العنصرى «الأبارتهيد»، والتقتيل الجماعى فى غزة أسوأ من غرف الغاز النازية فى سنوات الحرب العالمية الثانية.
بتعبير الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» فإن حصار غزة يشبه الحصار النازى لـ«لينينجراد» فى تلك السنوات.
هذه حقيقة ماثلة بقوة صور المأساة الفلسطينية وجثث الأطفال الملقاة أمام البيوت المهدمة فى غزة.
التدليس على الحقيقة بدا مروعا فى الخطابين الرسمى والإعلامى الغربى، باستثناء أصوات معدودة.
عاد سيناريو «التهجير القسرى» بدعم أمريكى عسكرى واستخباراتى كامل هذه المرة.
لم يكن إرسال حاملتى الطائرات الأمريكيتين «جيرالد فورد» و«إيزنهاور» إلى شرق المتوسط ووصول بوارج بريطانية إلى نفس المكان محض مظاهرة عسكرية لدعم إسرائيل بقدر ما كان رسالة ردع لإيران وحزب الله وكل من يفكر فى «استغلال الوضع الإسرائيلى المتدهور».
إنه دعم مطلق لإسرائيل وتصريح بالقتل والتهجير القسرى.
فى مستهل جولته بالمنطقة صرح «أنتونى بلينكن»: «جئت لإسرائيل كيهودى لا كوزير خارجية الولايات المتحدة».
تماهت المواقف الأمريكية مع الرؤية الإسرائيلية للصراع، انتهكت كل القيم والحقائق، اختلقت روايات لا أساس لها ولا دليل عليها وثبت كذبها كتورط مقاتلى «حماس» فى اغتصاب النساء وقطع رءوس الأطفال وجرى وصفها بأنها «داعشية».
كان ذلك تدليسا على الحقيقة فالصراع بين احتلال عنصرى استيطانى ومقاومة مشروعة وفق القوانين الدولية.
بدت قضية «الرهائن» أولوية مطلقة على جدول أعمال جولة وزير الخارجية الأمريكى فى المنطقة، ساعيا إلى إدانة «حماس» وتوفير دعم إقليمى للإفراج عنهم دون قيد أو شرط، أو تبادل مع أسرى فلسطينيين يقبعون فى السجون الإسرائيلية منذ عشرات السنين.
ثم كان لافتا دعوته إلى «توفير مناطق آمنة للفلسطينيين».
كانت تلك الدعوة أقرب أن تكون إعادة صياغة لأوامر الجيش الإسرائيلى لأهالى غزة بالنزوح من الشمال إلى الجنوب طلبا للأمن والسلامة، رغم أن طائراتها استهدفت النازحين وقتلت وروعت أعدادا كبيرة منهم.
تبدت فى أهدافه تبنيه لمشروع التهجير القسرى إلى سيناء.
بتعبير إسرائيلى تردد على الشاشات: «لماذا لا تطلبون من مصر بدواعى الأخوة العربية والإسلامية فتح الحدود لاستضافة الفلسطينيين بصورة مؤقتة؟».
الأجدر بالحقيقة طرح سؤال: «لماذا لا يتوقف الأمريكيون عن دعم ارتكاب كل جرائم الحرب بحق الفلسطينيين العزل؟».
السؤال الأكثر إلحاحا الآن: سيناريو «التهجير القسرى» إلى سيناء هل هو ممكن؟.. ثم هل يفضى إلى أى استقرار أو أمن للدولة العبرية؟
الإجابة على السؤال بشقيه: مستحيل تماما.
لا المصريون ولا الفلسطينيون ولا العالم العربى بأسره ولا أى دولة مؤثرة فى الإقليم كإيران وتركيا بوارد قبول ذلك السيناريو الكارثى.
غزة فلسطينية وجزء لا يتجزأ من فلسطين المحتلة، لا إخلاؤها ممكنا ولا حذفها متاحا.
«حماس» أكدت بوضوح لا يحتمل لبسا على لسان رئيس مكتبها السياسى «اسماعيل هنية»: «لا هجرة من غزة إلى مصر».
لا يوجد فلسطينى واحد مستعد أن يتقبل تكرار النكبة الأولى باستعارة أوطان بديلة.
وسيناء مصرية وسوف تظل كذلك، وقد بذل المصريون فواتير دم وتضحيات هائلة من أجل تحريرها والحفاظ عليها، هذه مسألة أمن قومى خارج أى نقاش لا يملك أحد التفريط فيها، أو المساومة عليها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التهجير القسري وسؤال سيناء التهجير القسري وسؤال سيناء



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 06:28 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول الزبادي الطبيعي يومياً قد يقلل من خطر الإصابة بسرطان
  مصر اليوم - تناول الزبادي الطبيعي يومياً قد يقلل من خطر الإصابة بسرطان

GMT 11:22 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 09:15 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

أهم 3 نصائح لاختيار العباية في فصل الشتاء

GMT 02:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"الزراعة" تؤكد البلاد على وشك الاكتفاء الذاتي من الدواجن

GMT 13:41 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو جديد لـ"طفل المرور" يسخر من رجل شرطة آخر

GMT 02:57 2020 الإثنين ,06 إبريل / نيسان

رامى جمال يوجه رسالة لـ 2020

GMT 02:40 2020 السبت ,22 شباط / فبراير

المغني المصري رامي جمال يحرج زوجته على الملأ
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon