توقيت القاهرة المحلي 14:13:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بايدن وترامب.. والأزمة الأمريكية!

  مصر اليوم -

بايدن وترامب والأزمة الأمريكية

بقلم - عبد الله السناوي

لا يتلخص الانقسام الأمريكى الفادح فى الكراهيات المتبادلة، التى أفلتت عن كل قيد، بين الحزبين الجمهورى والديمقراطى، أو بين رئيسين حالى وسابق يطمح كلاهما للمقعد نفسه فى الانتخابات المقبلة.
ما هو تحت السطح أخطر وأفدح.
يقال عادة إن التاريخ لا يعيد نفسه إلا هزليا.
الأرجح حتى الآن أن يتكرر سيناريو (2020) فى (2024)، نفس المتنافسين «جو بايدن» و«دونالد ترامب»، ونفس خطاب الكراهية مقرونا بعصبية مفرطة.
يتجاوز ذلك السيناريو ما هو هزلى إلى ما يشبه الانتحار الاستراتيجى، كأن الولايات المتحدة تيبست شرايينها السياسية وفقدت قدرتها على ضخ دماء جديدة فى سياساتها الداخلية والدولية.
هذه ليست أزمة عابرة يمكن تجاوزها بصورة أو أخرى، بعد وقت أو آخر.
إنها إشارة لا يمكن تجاهلها إلى نوع المستقبل، الذى ينتظر الولايات المتحدة كقوة عظمى أمسكت لوحدها بمقادير النظام الدولى إثر نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتى السابق مطلع تسعينيات القرن الماضى.
النظام الدولى يبدو الآن متهالكا وغير قادر على البقاء دون أن يولد نظاما جديدا من تحت أنقاضه.
اكتسبت القوة الأمريكية أوزانها الدولية بما توافر لها من قدرات عسكرية واقتصادية فائقة بالإضافة إلى الصورة التى بدت عليها أعقاب الحرب العالمية الثانية وقوة النموذج الذى طرحته فى نظاميها السياسى والقضائى.
أخطر ما يحدث الآن تقوض الثقة العامة فى مؤسساتها، حيث تنتهك أية قواعد وأصول على نحو مزعج.
تسييس القضاء عنوان للأزمة المؤسسية، والطعن فى نزاهته عنوان ثان.
الأسوأ أن الرئيسين السابق والحالى متهمان بارتكاب جرائم جنائية، أو التستر عليها، تستوجب السجن فى حالة «ترامب» والعزل فى حالة «بايدن».
استطلاعات الرأى العام الأمريكية ترجح أن يحوز «ترامب» الرئاسة إذا كان منافسه هو «بايدن».
ربح «بايدن» انتخابات (2020) بتصويت عقابى لا بإقناع سياسى.
بدت تلك الانتخابات أقرب إلى استفتاء على «ترامب».
ربما ينجح هذه المرة أيضا لسبب نفسه.
وربما يراهن غريمه أن تنقلب اللعبة عكسيا.
الشخصنة الزائدة من علامات الأزمة الأمريكية المتفاقمة.
مع كل قضية جنائية جديدة ضده ترتفع شعبية «ترامب»، (4) قضايا فى ولايات مختلفة و(91) تهمة أغلبها ثابتة وموثقة.
هذا بذاته مؤشر خطير على تدهور العدالة الأمريكية واستعداد قطاعات واسعة من الرأى العام للتغاضى عن جرائم جنائية بمقتضى الصراعات السياسية، أو لاعتبارات الانقسام العرقى فى بنية المجتمع الأمريكى.
تسييس العدالة حاضر بصورة أو أخرى فى المحاكمات.. و«ترامب» لا يتورع عن وصف المدعين العامين والقضاة الذين يوجهون له الاتهامات ويحاكمونه بالتحيز السياسى والفساد.
التسييس نفسه يسرى على الطرف الآخر فى الصراع حيث يخضع نجل الرئيس «هانتر بايدن» لتحقيق فيدرالى بشأن جرائم ضريبية وجرائم أخرى تعود إلى الفترة التى كان والده فيها نائبا للرئيس «باراك أوباما».
فى الحالتين تغيب قواعد العدالة لصالح تصفية الحسابات السياسية والشخصية.
إننا أمام دولة مأزومة فى صورتها السياسية وأوضاعها الداخلية فيما التحديات الاستراتيجية الدولية تضغط على أعصابها.
بذريعة «أمريكا أولا» تراجعت المكانة الأمريكية فى سنوات «ترامب».
وبذريعة «أمريكا عادت» تورط «بايدن» فى المستنقع الأوكرانى.
الأول انسحب من منظمة الصحة العالمية، واتفاقية باريس للمناخ، واليونسكو.
كاد أن يفكك وحدة التحالف الغربى وحلف «الناتو» بشعار: «الأمن مقابل الدفع».
وكانت إدارته لجائحة «كوفيد 19» كارثية.
الثانى، تبنى سياسة مناقضة رهانا على استعادة القيادة الأمريكية، لكنه أخفق فى إدارة الملف الأفغانى وكان الانسحاب العشوائى لقواته من كابول مهينا لدولة توصف بالعظمى.
كما أخفق فى تقدير حدود القوة بإدارة الأزمة الأوكرانية متصورا أن هناك فرصة لإلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا.
رغم أن الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» ارتكب خطأ تقديريا مماثلا بتصور أنه يمكن حسم الحرب سريعا، إلا أنه يظل فى موقع أفضل نسبيا، بالنظر إلى أن الحرب بالنسبة لبلاده، التى تحوز أكبر قدرات نووية فى العالم، باتت مسألة وجود.
أعاد «بايدن» رسم خرائط القوة فى أوروبا، وفرض نوعا من القيادة الأمريكية على الحلفاء الذين كادوا أن ينفرط عقدهم.
شيطن روسيا كعدو استراتيجى يستدعى الوحدة الغربية ضدها دون أن يدرك حقائق القوة المتغيرة، وأن النظام الدولى القديم استنفد زمانه فدول آسيوية متقدمة اقتصاديا وتقنيا كالصين والهند تتطلع للعب أدوار قيادية فى النظام الدولى، وروسيا يستحيل حذفها كلاعب دولى جوهرى، ودول عديدة أخرى تتطلع للمشاركة فى صناعة القرار الدولى.
بقوة الحقائق المستجدة بدأت الشروخ تضرب فى بنية التحالف الغربى وحلف «الناتو» نفسه.
يستلفت النظر هنا أن سلوفاكيا، إحدى الدول الرئيسية فى شرق أوروبا، انتخبت رئيسا يناهض الحرب الأوكرانية وقريب من موسكو، المجر لها موقف مماثل، والظاهرة مرشحة للتمدد بدواعى الضجر من كلفة الحرب الباهظة على اقتصاداتها دون أن يبدو فى الأفق المسدود أية احتمالات منظورة لتسوية سياسية.
أوكرانيا تطلب مزيدا من الدعم المالى والعسكرى حتى تحقق اختراقا عسكريا كبيرا فى «الهجوم المضاد» المتعثر والتباين يفرض سطوته على الحلفاء الأوروبيين وروسيا تحاول أن توظفه لصالحها.
فى الولايات المتحدة، طرحت تكلفة الحرب الأوكرانية نفسها موضوعا رئيسيا على التنازع الداخلى حتى كادت المؤسسات الفيدرالية أن تغلق فيما يعرف بأزمة الإنفاق الحكومى قبل أن يجرى تدارك الإغلاق فى الساعات الأخيرة.
لأول مرة فى التاريخ الأمريكى يعزل رئيسا لمجلس النواب لإقدامه على عقد اتفاق مع الديمقراطيين يتجنب الإغلاق.
رغم أن الاتفاق مؤقت لمدة (45) يوما إلا أن «كيفين مكارثي« اتهم بالتواطؤ مع الديمقراطيين وجرت إزاحته من منصبه.
الجناح المتشدد فى الحزب الجمهورى، الموالى لـ«ترامب» قاد عملية الإطاحة.. وهو نفسه لا يمانع فى أن يتولى رئاسة مجلس النواب حيث لا يشترط أن يكون عضوا فيه!
وفق الاتفاق المؤقت، الذى يناهضه أغلب الجمهوريين، عرقلت أية مساعدات جديدة إلى أوكرانيا تنتويها إدارة «بايدن».
بعد شهر ونصف الشهر سوف تزداد الأمور صعوبة ويصبح «بايدن» عاجزا تماما عن تمويل كييف بما تطلبه من أموال وأسلحة.
رغم التعهدات الأوروبية من هنا وهناك بمواصلة دعم أوكرانيا، إلا أن تقييد المساعدات الأمريكية يغير فى موازين وحسابات مسارح القتال.
ما الذى يمكن أن يحدث إثر ذلك التطور الجوهرى؟
هذا هو السؤال الذى يطرح نفسه الآن بإلحاح على صانع القرار الأمريكى والعالم بأسره.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بايدن وترامب والأزمة الأمريكية بايدن وترامب والأزمة الأمريكية



GMT 08:09 2025 الأحد ,16 شباط / فبراير

بديع المقرئين

GMT 08:07 2025 الأحد ,16 شباط / فبراير

كيف تميزت السعودية سياسياً؟

GMT 08:05 2025 الأحد ,16 شباط / فبراير

لبنان: برنامجا استكمال الهزيمة أو ضبطها

GMT 08:03 2025 الأحد ,16 شباط / فبراير

أوروبا والألسنة الحداد

GMT 08:00 2025 الأحد ,16 شباط / فبراير

الرياض عاصمة العالم... مرة أخرى

GMT 07:49 2025 الأحد ,16 شباط / فبراير

مصادر الطاقة والأمن القومي البريطاني

GMT 07:43 2025 الأحد ,16 شباط / فبراير

مقام الكرد

أحلام تتألق بإطلالة لامعة فخمة في عيد ميلادها

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 01:43 2022 الثلاثاء ,14 حزيران / يونيو

ياسمين صبري تزداد أناقة بإطلالات فخمة وراقية

GMT 21:09 2021 الجمعة ,23 إبريل / نيسان

"وحيد القرن" أصغر ثقب أسود قريب من الأرض

GMT 19:35 2021 الثلاثاء ,23 آذار/ مارس

بورصة بيروت تغلق التعاملات على ارتفاع

GMT 05:47 2021 الخميس ,28 كانون الثاني / يناير

تعرف على رسالة ياسر فرج الأخيرة لزوجته قبل وفاتها

GMT 15:13 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أتلتيكو مدريد يصنع التاريخ بالأرقام في الدوري الإسباني

GMT 21:10 2020 الأحد ,27 كانون الأول / ديسمبر

بايرن ميونخ أفضل فريق في 2020 ضمن جوائز "غلوب سوكر"

GMT 13:03 2020 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

طبيب يكشف عن والد طفل عروس بنها في حال حملها

GMT 03:22 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

ريم سامي تتألق في مهرجان الجونة السينمائي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon