توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تحلل النظام الدولي في اختبار غزة!

  مصر اليوم -

تحلل النظام الدولي في اختبار غزة

بقلم - عبد الله السناوي

تحللت مؤسساته وقيمه وتقوضت صلاحيته وقدرته على البقاء.
هكذا بدت صورة النظام الدولى فى اختبار غزة.
كان العجز شبه مطلق أمام أبشع الجرائم ضد الإنسانية فى العصور الحديثة.
فى غضون أربع سنوات توالت ثلاثة اختبارات كاشفة لمدى تدهوره وعجزه عن الوفاء بمتطلباته.
كانت جائحة «كوفيد 19» اختبارا جديا لمدى كفاءة المنظومة الصحية الدولية وقدرة النظام الدولى على التساند الإنسانى فى مواجهة الموت الجماعى، الذى ضرب بلا رحمة مناطق واسعة من العالم شاملة أوروبا والولايات المتحدة.
أثناء الجائحة ضرب التفكك بنية الاتحاد الأوروبى، الذى عجز عن إبداء الحد الأدنى من التضامن بين أعضائه.
بالوقت نفسه لم تبد الولايات المتحدة أى قدر من الاستعداد لمد يد العون للحلفاء المفترضين، ولم يكن هناك أى دور يعتد به للأمم المتحدة.
كان ذلك مؤشرا على قرب انهيار النظام الدولى، الذى تمسك واشنطن بمقاليد القوة فيه منفردة منذ مطلع تسعينيات القرن الماضى بعد انهيار الاتحاد السوفييتى وانقضاء الحرب الباردة.
ثم تعرض النظام الدولى لاختبار ثان فى الحرب الأوكرانية.
طرح على نطاق واسع سؤال: لمن تئول قيادته وما طبيعة حسابات وتوازنات القوة فيه؟.. لكنه ظل معلقا فى فضاء الحرب التى تمددت وأنهكت بتداعياتها العالم كله.
لا الولايات المتحدة كسبت رهاناتها على إذلال موسكو ولا روسيا رفعت الرايات البيضاء رغم العقوبات القاسية التى فرضت على اقتصادها المنهك.
فى اختبار أوكرانيا لوحت الولايات المتحدة بسلاح العقوبات أمام بيجين، كما باستعراضات القوة فى المحيطين الهادى والهندى، حتى تردع أى تدخل صينى محتمل، اقتصاديا وتسليحيا يدعم موسكو.
فى اختبار غزة وجهت رسائل مشابهة لمنع أى طرف إقليمى من «استغلال الوضع» بعد صدمة السابع من أكتوبر.
فى الاختبارين لم تنجح الولايات المتحدة، رغم ما استثمرته من عناصر قوة فائقة تخطيطا وتمويلا وتسليحا، فى حصد ما طلبته من أهداف.
فى غزة تضررت صورتها بالشرق الأوسط كما لم يحدث من قبل.
كانت تلك خسارة استراتيجية لها تبعات على مصالحها فى المنطقة.
بقدر مماثل تضررت قيادتها الفعلية للمنظمة الدولية حيث أبقتها فى وضع شلل وعجز.
لم يكن لجوء الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو جوتيريش» إلى استخدام المادة (99) من ميثاقها، التى تخوله تنبيه مجلس الأمن إلى أى مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين سوى احتجاج على تعطيل صلاحيات المنظمة الدولية بجميع مؤسساتها فى وقف الإبادة الجماعية، أو التخفيف من وطأة المأساة الإنسانية المروعة.
الخطوة بذاتها سابقة تاريخية، والمعنى أن الأمور أفلتت وصلاحيات منظومة الأمم المتحدة تعطلت.
أصابع الاتهام نالت الولايات المتحدة قبل أى طرف دولى آخر بحكم قيادتها للنظام الدولى كله.
الأفدح انهيار القيم المؤسسة للأمم المتحدة فى حفظ الحريات وحقوق الإنسان وضمان حق الشعوب فى تقرير مصيرها.
كان استهداف الصحفيين فى غزة وجنوب لبنان داعيا إلى غضب حقوقى ومهنى واسع دون أن يكون ممكنا فتح أى تحقيق دولى يحاسب ويردع.
وصلت المأساة إلى ذروتها فى تعطيل وكالات الأمم المتحدة المتخصصة عن أداء مهامها، خاصة منظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأغذية والزراعة، والمحاكمة الجنائية الدولية.
المستشفيات حوصرت وقصفت، وحرب التجويع اتسعت إلى حدود غير مسبوقة، وأية حقوق إنسانية قوضت تماما دون أن يرتفع صوت مؤثر للمنظمة الدولية يضفى عليها صدقية واحتراما.
قصفت مكاتب ومدارس «الأونروا»، التى أنشئت خصيصا لغوث اللاجئين الفلسطينيين بعد نكبة (1948)، دون صرخة احتجاج تلوح بإنزال العقاب.
بقوة الفيتو الأمريكى ونفوذه، فشل مجلس الأمن، فى استصدار قرار يوقف الحرب.
رغم ذلك كله، لم تتمكن إسرائيل بعد مرور أكثر من شهرين من إحراز علامة نصر واحدة.
لم تنجح فى اجتثاث «حماس« وتحرير الأسرى والرهائن الإسرائيليين بالقوة دون دفع أثمان سياسية باهظة.
فاوضتها عبر وسطاء قبل أن تقطع الهدن وتعود إلى الحرب.
مع كل إخفاق فى المواجهات المباشرة تصعد من ضراوة استهداف المدنيين.
العالم لم يعد يحتمل تمديدا للحرب، التى أسقطت عشرات آلاف الضحايا المدنيين من قتلى ومصابين ومفقودين تحت الأنقاض.
حسب وزير الخارجية الأمريكى «أنتونى بلينكن» فإنه يتعين على القادة الإسرائيليين إنهاء الحرب خلال أسابيع لا أشهر.
الأعباء السياسية للحرب على غزة نالت من مكانة الولايات المتحدة وفرص «جو بايدن» فى تمديد ولايته لفترة ثانية بانتخابات (2024).
فى إجابة عن سؤال: ماذا بعد؟.. طرحت أفكارا للتداول بعضها تحليق فى الأوهام مثل الخروج الآمن للمقاومة على غرار ما حدث عام (1982) بعد احتلال بيروت وترحيل منظمة التحرير الفلسطينية إلى تونس.
الوضع هذه المرة يختلف تماما، فالمقاومة تحارب على أرضها لا على أرض أخرى.
حمل مشهد تعرية مدنيين لإذلالهم بزعم انتمائهم لـ«حماس» والتوسع فى القتل العشوائى بدم بارد فى الضفة الغربية رسالة عكسية عنوانها: القتال حتى آخر شهيد.
بقوة الصور تبددت الفوارق شاسعة بين معاملة الأسرى الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين فى السجون الإسرائيلية.
كانت تلك هزيمة أخلاقية كاملة.
بدا طرح سؤال اليوم التالى على قدر من التعجل: من يملأ فراغ الأمن والسياسية فى غزة؟
أثبتت الحرب أن الأمر لن يكون يسيرا على النحو الذى جرى تصوره من قبل، فالمقاومة فكرة أصيلة وليست مقحمة على المجتمع الفلسطينى.
لا إعادة احتلال غزة مقبولة أمريكيا وأوروبيا وعربيا، ولا إنشاء مناطق عازلة تلقى قبولا من الراعى الأمريكى، ولا استبعاد السلطة الفلسطينية واستبدال «محمود عباس» برجل آخر حسب مواصفات الاحتلال يمكن أن يقبله الشعب الفلسطينى رغم أية اعتراضات واسعة على أداء السلطة.
أكدت التظاهرات، التى عمت العواصم والمدن الغربية الكبرى، وداخل الولايات المتحدة نفسها دعما وتأييدا للقضية الفلسطينية، التناقض الهائل ما بين مؤسسات دولها والرأى العام فيها.
إنها إشارة تغيير تحت الجلد السياسى.
بصياغة ثانية، إنها إشارة تصدع جديدة ومنذرة فى النظام الدولى.
تقوض ذلك النظام دون أن يستبين ما بعده.
لا الصين بوارد ملء فراغ الدور القيادى ولا تقدر بأى مدى منظور على تكاليفه وأثمانه.
يكتفى الصينيون بأدوار المراقبة من بعيد والمواقف المتضامنة دون التورط فى الحربين الأوكرانية والفلسطينية.
ولا روسيا مستعدة أن تفتح جبهة صراع جديدة رغم أنها من أكثر المستفيدين استراتيجيا من تراجع الحرب الأوكرانية إعلاميا وسياسيا بعد الحرب على غزة.
إننا أمام تحلل كامل فى بنية النظام الدولى يؤشر على فوضى واسعة مقبلة دون أن تتبدى أية إشارة على ميلاد جديد بأى مدى منظور.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تحلل النظام الدولي في اختبار غزة تحلل النظام الدولي في اختبار غزة



GMT 19:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

‫تكريم مصطفى الفقى‬

GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon