توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التواطؤ باسم الإنسانية!

  مصر اليوم -

التواطؤ باسم الإنسانية

بقلم - عبد الله السناوي

تكاد تتماهى ازدواجية الخطاب الأمريكى مع عوالم مسرح اللا معقول!
الكلام وعكسه فى خطاب واحد.
دعوات متواترة لإدخال المساعدات الإنسانية بكميات كافية ومستدامة لإنقاذ أهالى غزة من الموت جوعًا، وتمديد بالوقت نفسه للعدوان الذى يزهق أرواحهم!
مشاهد الجوعى الذين يتعرضون للتقتيل العمدى أثناء انتظارهم الحصول على مساعدات غذائية تبقيهم على قيد الحياة تطرح تساؤلا جوهريا إذا ما كانت أية دعايات أمريكية عن القيم الإنسانية قابلة للتصديق!
إذا لم يمت مئات الآلاف من الفلسطينيين بالقصف المتواصل فإنهم قد يلقون المصير نفسه بالتجويع المنهجى المقصود.
باليقين فإن الإدارة الأمريكية تتحمل المسؤولية الأولى عما يحدث للفلسطينيين من تنكيل تجاوز كل كابوس متخيل أو غير متخيل.
مددت للعدوان الهمجى على غزة ومنحته غطاء سياسيًا واستراتيجيًا وعسكريًا كاملًا حتى ينجز هدفيه المعلنين، اجتثاث حركات المقاومة الفلسطينية واستعادة الأسرى والرهائن بلا تكاليف سياسية باهظة.
لمرات عديدة منعت بحق النقض استصدار أية قرارات من مجلس الأمن الدولى بوقف الحرب دون أن تتوقف عن دعوة القوات الإسرائيلية لمراعاة القانون الدولى الإنسانى فى حماية حياة المدنيين.
طوال الوقت تدعو لإدخال المساعدات الإنسانية دون نجاح يذكر.
وأخيرًا دعت فى خطاب الاتحاد، الذى ألقاه الرئيس «جو بايدن» أمام مجلسى الكونجرس، لإنشاء رصيف بحرى قبالة سواحل غزة لإنجاز هذه المهمة الإنسانية!
لم يكن الدعم الإسرائيلى المعلن لذلك المشروع كلامًا فى فراغ الاستراتيجيات.
أول ما يستلفت النظر أن إنشاءه وتشغيله قد يستغرق نحو ستة أسابيع حسب التقديرات الأمريكية.
المعنى أنه لا حديث بأى مدى منظور عن وقف إطلاق النار، أو تحسين الوضع الإنسانى بضخ مساعدات كافية عبر المنافذ البرية.
ربما يمتد المعنى إلى تخفيض أية رهانات على تسوية ما عبر المفاوضات غير المباشرة بين «حماس» وإسرائيل.
بحسب الحيثيات المعلنة فإن المشروع الأمريكى يستهدف رفع نسبة المساعدات الإنسانية، أو أن تصل مباشرة إلى الجوعى من المدنيين لا إلى «حماس»، وبالتنسيق الكامل مع السلطات الإسرائيلية.
بنظر منظمات الأمم المتحدة: «لا بديل عن الممرات البرية»، قاصدة أن معبر رفح الحدودى المصرى أسهل وأسرع إذا ما أجبرت الولايات المتحدة إسرائيل على عدم استهدافه بالقصف، أو التعسف المفرط فى إجراءات دخول المساعدات».
بتعبير وزير الخارجية البريطانى «ديفيد كاميرون»: «لا بديل عن الممر البرى»، قاصدًا معبر رفح بالذات.
بتقدير «واشنطن بوست» فإن «الممر البحرى لا يكفى»، توافق على مشروعه، لكنها تشكك فى قدرته على الوفاء بالمهمة الإنسانية المفترضة.
أخطر ما فى ذلك المشروع: تجريد مصر من معبر رفح وقيمته الاستراتيجية.
وتجريد غزة فى الوقت نفسه من الرئة العربية الوحيدة للحركة والتنقل.
هذا يستدعى التنبه البالغ والتصحيح الضرورى لأية أخطاء وخطايا ارتكبت فى إدارة ذلك المعبر بعد توقيع اتفاقيتى «كامب ديفيد».
باسم الإنسانية مرة أخرى يجرى التواطؤ على أدوار وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا» بذريعة أن ذلك الرصيف البحرى سوف يوفر خدماتها دون حاجة إليها!
هذا محض ادعاء لا أساس له.
استهداف «الأونروا» بادعاءات غير ثابتة عن علاقة بعض موظفيها بـ«حماس»، وفرض حصار دولى على تمويلها، قصده تفكيكها لإحكام الحصار مستقبلًا على القطاع فى خدمات لا غنى عنها كالصحة والتعليم والتشغيل.
بتعبير وزير الدفاع الإسرائيلى «يوآف جالنت» فإن الرصيف البحرى يساعد على انهيار «حماس» قاصدًا التركيع النهائى للفلسطينيين.
هكذا بكل وضوح فإن ذلك المشروع هو عمل متوافق عليه بين الجانبين الأمريكى الإسرائيلى.
إنهما يعملان تحت أفق استراتيجى واحد رغم أى تناقضات بين إدارة «بايدن» وحكومة «بنيامين نتنياهو».
قد ترى الإدارة الأمريكية الحالية أنه يفتقد فى اللحظة الحالية القدرة على القيادة.
بالمقابل فهو يصعد ضدها لهجة الخطاب.
لكن ذلك لا يمنع التوافق على الأهداف العليا للحرب، وعلى رأسها التهجير القسرى أو الطوعى للفلسطينيين بعدما تصبح حياتهم شبه مستحيلة فى القطاع المحطم، التى تؤكد التقارير الدولية أن (80%) من بيوته هدمت بالكامل، وأن خسائره المادية قد تتجاوز (30) مليار دولار.
القضية الحقيقية ليست «التوطين فى سيناء» بقدر ما هى إخلاء غزة من أهلها وتشتيتهم فى دول أخرى، عربية وغير عربية.
لذلك الرصيف دور وظيفى مقصود فى التهجير الطوعى.
فى بداية الحرب وجد اليمين الإسرائيلى المتطرف فى الدعم الأمريكى شبه المطلق فرصة للتجهير القسرى من غزة إلى سيناء وفرصة أخرى لتهجير مماثل من الضفة الغربية إلى الأردن.
اصطدم مشروع التهجير القسرى بموقف مصرى وأردنى وفلسطينى وعربى شبه موحد.
تراجع مؤقتًا لكنه ما يزال ماثلًا بصيغ جديدة طوعية هذه المرة يساعد عليها مشروع الرصيف البحرى.
قد يؤسس الرصيف البحرى لتواجد أمريكى عسكرى مباشر بهدف السيطرة على مخزون الغاز، التى تؤكد التقارير الدولية توافرها قرب شواطئ غزة.
إنه الغاز عصب الحياة الحديثة، التى تأكدت قيمته الفائقة فى حرب أوكرانيا.
تنفى إدارة «بايدن» أنها بصدد تمركز أية قوات عسكرية فى غزة.
ربما أرادت أن تطمئن الرأى العام الأمريكى قبيل الانتخابات الرئاسية، التى قد تقرر مصير «بايدن» فى البيت الأبيض، أنه لن يكون هناك تورط عسكرى مباشر فى غزة.
وربما أرادت أن تطمئن بالوقت نفسه «الحليف الإسرائيلى»، أنها ليست بصدد عرقلة أية خطط عسكرية مزمعة فى رفح، التى يراها «نتنياهو» ضرورية لحسم الحرب.
يستلفت النظر أن مشروع الرصيف البحرى طرح مباشرة إثر زيارة الوزير فى مجلس الحرب الإسرائيلى «بينى جانتس« للعاصمة الأمريكية واشنطن.
برغم الخلافات المعلنة فإنهما يتبنيان أهداف الحرب نفسها، المعلنة وغير المعلنة.
يحاول «بايدن» بخطابه المزدوج أن يحسن صورته داخل الحزب الديمقراطى كرجل يتبنى خطابًا إنسانيًا دون أن يتوقف عن توفير القنابل والذخائر والدعم المالى والاستخباراتى للعدوان على غزة.
لا يصلح ذلك الخطاب لتحسين صورة أو لإضفاء هيبة.
إنه تواطؤ باسم الإنسانية على غزة ومستقبلها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التواطؤ باسم الإنسانية التواطؤ باسم الإنسانية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 10:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 10:52 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

GMT 09:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 21:45 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

فجر السعيد تفتح النار على نهى نبيل بعد لقائها مع نوال

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 20:43 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

الأمير هاري يتحدث عن وراثة أبنائه جين الشعر الأحمر

GMT 20:11 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

تكريم توم كروز بأعلى وسام مدني من البحرية الأميركية

GMT 09:56 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 12:18 2016 الإثنين ,12 كانون الأول / ديسمبر

الروح والحب والإخلاص " ربنا يسعدكم "

GMT 23:59 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

اتفاق مبدئي على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في ليبيا

GMT 18:11 2024 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

3 تحديات تنتظر الزمالك قبل غلق الميركاتو الصيفي

GMT 07:33 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

"سيسيه يؤكد رفضت عروضا من أجل البقاء مع "الاتحاد

GMT 05:59 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

محمد النني يقترب من الدوري السعودي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon