توقيت القاهرة المحلي 13:28:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ثغرة الغرور في أكتوبر الآخر!

  مصر اليوم -

ثغرة الغرور في أكتوبر الآخر

بقلم - عبد الله السناوي

 

فى ظروف وأجواء ما بعد الهزيمة العسكرية (1967) دأب الرئيس «جمال عبدالناصر» على دعوة بعض القادة العسكريين الجدد لمشاهدة تسجيلات قادة الجيش الإسرائيلى عن وقائعها وما يترتب عليها.

بالتفاتة عميقة لما رآه أمامه قال رئيس أركان القوات المسلحة المصرية، الفريق «عبدالمنعم رياض»، الذى تولى منصبه للتو: «لقد عرفت يا سيادة الرئيس من أين سوف ننال منهم».. «إنها ثغرة الغرور».

أخذت الحقائق الجديدة تعلن عن نفسها، طرف يدرس أسباب هزيمته العسكرية ويعمل بأقصى ما يستطيع على تلافى أسبابها وإعادة بناء جيشه من تحت الصفر تقريبا على أسس احترافية.. وطرف آخر أفقدته نشوة النصر قدرته على قراءة ما سوف تأتى به الأيام.

لمدة ثلاث سنوات كاملة دخلت مصر حرب استنزاف طويلة تضافرت فيها إرادة القتال مع مقومات العلم العسكرى الحديث، أدخلت إلى القوات المسلحة أجيالا جديدة من خريجى الجامعات ونهض القطاع العام بواجبه فى توفير ضرورات الحياة اليومية اللازمة لاستقرار مجتمع فى حالة حرب.

تعتبر حرب الاستنزاف فى الرواية العسكرية المصرية هى «بروفة حرب أكتوبر». وقد دفع الجيش الإسرائيلى ثمن الغرور باهظا فى السادس من أكتوبر (1973)، غير أن السياسة خذلت السلاح وبطولات الرجال، وأفقدت مصر جانبا كبيرا من حقها فى جنى ثمار النصر.

بعد خمسين سنة بالضبط فى السابع من أكتوبر (2023) دفعت إسرائيل ثمنا باهظا آخر من ثغرة الغرور نفسها. فوجئت فى ذلك اليوم، قبل عام، بأوسع هجوم من المقاومة الفلسطينية داخل غلاف غزة، على غير توقع أو انتظار.

كان ذلك فشلا استخباراتيا وعسكريا ذريعا هز ثقة المجتمع الإسرائيلى فى نفسه، كما فى مؤسستيه العسكرية والأمنية. بدت إسرائيل عاجزة تماما عن الدفاع عن نفسها دون دعم أمريكى كامل وشامل.

كانت تلك رسالة إلى الإقليم كله، إذا كانت لا تستطيع أن تحمى أمنها الداخلى فكيف يكون بوسعها أى ادعاء بقدرتها على حماية الآخرين؟!

لم يكن مسموحا أمريكيا أن تُهزم إسرائيل، أو أن تفقد قدرتها على إخافة ما حولها.

أطلقت يدها فى غزة تنكيلا وانتقاما من مواطنيها المدنيين فيما يوصف دوليا بـ«حرب إبادة» لا مثيل لها فى التاريخ الإنسانى الحديث لاستعادة هيبتها المنتهكة كممثل أصيل للاستراتيجية الغربية فى المنطقة.

جرت تظاهرات واحتجاجات بأنحاء العالم تندد بجرائم الحرب، التى ترتكب دون رادع من قانون دولى بغطاء أمريكى سياسى واستراتيجى شبه مطلق.

بدأت الهزيمة الأخلاقية تلقى بظلالها الداكنة على المستقبل الإسرائيلى. تراجعت إلى حد كبير تبعات الهزيمة الاستراتيجية التى لحقت بإسرائيل فى الحرب على غزة لعاملين رئيسيين، الدعم الأمريكى المطلق والتخاذل العربى المروع، رغم ذلك فإنها لم تنتصر على أى نحو.

فى نهاية المطاف، الحروب تقاس بنتائجها السياسية. كان الفشل الإسرائيلى ذريعا رغم ما لحق بغزة وأهلها من تقتيل جماعى وتدمير شبه كامل لمبانيها وبنيتها التحتية وتشريد نحو مليونى فلسطينى.

لم تنجح إسرائيل طوال عام كامل من حسم أى من أهدافها المعلنة، لا اجتثت «حماس» ولا بدا أنها سوف تنجح فى منع عودتها لحكم غزة مجددا. لا استعادت رهائنها وأسراها ولا عقدت اتفاق يسمح بوقف إطلاق النار وفق تفاهمات متبادلة. طلبت نصرا مطلقا لم يكن فى مقدورها وطاقتها.

بفائض غرور آخر، فتحت جبهة قتال جديدة فى الجنوب اللبنانى تحت اسم «سهام الشمال» دون أن تتعلم شيئا من تجربتها المريرة فى حرب (2006). لم تضع فى اعتبارها استخلاصات تقرير «فينوجراد»، الذى استغرق نحو عامين فى تقصى أسباب هزيمتها فى تلك الحرب.

من نفس ثغرة الغرور وقعت مجددا فى مستنقع الجنوب. وسعت نطاق المواجهات فيما جيشها منهك بعد حرب طويلة فى غزة واقتصادها يتآكل باضطراد قدرته على الصمود.

لم تكن مصادفة أن يقول زعيم حزب الله «حسن نصرالله» فى خطابه الأخير: «بيننا وبينكم الأيام والليالى والميدان»، وقد ثبت أن المقاومة أعدت لهذا اليوم على مدى ثمانية عشر عاما بكل جدية.

مما أغوى إسرائيل بالحرب على لبنان ما تلقته بنفس التوقيت من حزم مساعدات عسكرية أمريكية بقيمة (8.7) مليار دولار.

رغم ما لحق بحزب الله من ضربات يصعب تحملها من اختراقات لشبكة اتصاله واغتيالات لأعداد كبيرة من قيادته ونزوح أكثر من مليون لبنانى بيئته الحاضنة، إلا أنه أثبت فى الميدان أن التوغل البرى لن يكون نزهة.

وقد انتفت بأسرع مما كان متوقعا عن رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو» دعاوى غروره بأنه بصدد إعلان شرق أوسط جديد يفرضه على كافة اللاعبين الإقليميين بلا استثناء مع الضربة الصاروخية الإيرانية المتأخرة حيث بدا مهزوزا بعدما كان قبلها مباشرة ينتفخ غرورا.

كان القفز من قطاع غزة إلى الجنوب اللبنانى تهربا لدواع سياسية من استحقاق وقف إطلاق النار بصفقة تبادل الأسرى والرهائن. أضيفت إلى مهام الحرب، إعادة (750) ألف نازح إلى مستوطناتهم فى الشمال الإسرائيلى وتقويض القدرات الاستراتيجية لحزب الله دون أن يكون ذلك ممكنا، أو موثوقا فى قدرة إسرائيل على تحقيقه.

حظت العمليات العسكرية فى الشمال بما يشبه الإجماع فى المجتمع الإسرائيلى، لكنه مرشح للتراجع تحت وطأة الخسائر البشرية الفادحة. المأزق الحقيقى أنها استبدلت طلب إعادة الأسرى والرهائن بطلب آخر يصعب تحقيقه وهو إعادة النازحين إلى مستوطناتهم دون أفق سياسى يعمل على التهدئة فى كافة الجبهات.

لا توجد لدى الحكومة الإسرائيلية أية تصورات لليوم التالى، لا فى غزة ولا فى لبنان. كان مثيرا للالتفات تكرار اللعبة نفسها، توسع بلا أفق سياسى للحرب. حسب تصريحات أمريكية متواترة فإن هناك توجها لتهدئة تفضى إلى عودة النازحين الإسرائيليين، هكذا دون مقابل، كأنه تسليم مسبق بما تريده إسرائيل وعجزت عنه بالسلاح.

الأخطر فيما تطرحه الإدارة الأمريكية فك الارتباط بين جبهتى غزة والجنوب اللبنانى. هذا الطلب بالذات هو جوهر الحرب فى الشمال، أن تترك غزة دون أى إسناد. إنها نفس ثغرة الغرور التى تتصور أن العصف بأية حقوق للفلسطينيين ممكن دائما، كأن دروس أكتوبر نسيت تماما.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثغرة الغرور في أكتوبر الآخر ثغرة الغرور في أكتوبر الآخر



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon