توقيت القاهرة المحلي 02:25:10 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ثغرة الغرور في أكتوبر الآخر!

  مصر اليوم -

ثغرة الغرور في أكتوبر الآخر

بقلم - عبد الله السناوي

 

فى ظروف وأجواء ما بعد الهزيمة العسكرية (1967) دأب الرئيس «جمال عبدالناصر» على دعوة بعض القادة العسكريين الجدد لمشاهدة تسجيلات قادة الجيش الإسرائيلى عن وقائعها وما يترتب عليها.

بالتفاتة عميقة لما رآه أمامه قال رئيس أركان القوات المسلحة المصرية، الفريق «عبدالمنعم رياض»، الذى تولى منصبه للتو: «لقد عرفت يا سيادة الرئيس من أين سوف ننال منهم».. «إنها ثغرة الغرور».

أخذت الحقائق الجديدة تعلن عن نفسها، طرف يدرس أسباب هزيمته العسكرية ويعمل بأقصى ما يستطيع على تلافى أسبابها وإعادة بناء جيشه من تحت الصفر تقريبا على أسس احترافية.. وطرف آخر أفقدته نشوة النصر قدرته على قراءة ما سوف تأتى به الأيام.

لمدة ثلاث سنوات كاملة دخلت مصر حرب استنزاف طويلة تضافرت فيها إرادة القتال مع مقومات العلم العسكرى الحديث، أدخلت إلى القوات المسلحة أجيالا جديدة من خريجى الجامعات ونهض القطاع العام بواجبه فى توفير ضرورات الحياة اليومية اللازمة لاستقرار مجتمع فى حالة حرب.

تعتبر حرب الاستنزاف فى الرواية العسكرية المصرية هى «بروفة حرب أكتوبر». وقد دفع الجيش الإسرائيلى ثمن الغرور باهظا فى السادس من أكتوبر (1973)، غير أن السياسة خذلت السلاح وبطولات الرجال، وأفقدت مصر جانبا كبيرا من حقها فى جنى ثمار النصر.

بعد خمسين سنة بالضبط فى السابع من أكتوبر (2023) دفعت إسرائيل ثمنا باهظا آخر من ثغرة الغرور نفسها. فوجئت فى ذلك اليوم، قبل عام، بأوسع هجوم من المقاومة الفلسطينية داخل غلاف غزة، على غير توقع أو انتظار.

كان ذلك فشلا استخباراتيا وعسكريا ذريعا هز ثقة المجتمع الإسرائيلى فى نفسه، كما فى مؤسستيه العسكرية والأمنية. بدت إسرائيل عاجزة تماما عن الدفاع عن نفسها دون دعم أمريكى كامل وشامل.

كانت تلك رسالة إلى الإقليم كله، إذا كانت لا تستطيع أن تحمى أمنها الداخلى فكيف يكون بوسعها أى ادعاء بقدرتها على حماية الآخرين؟!

لم يكن مسموحا أمريكيا أن تُهزم إسرائيل، أو أن تفقد قدرتها على إخافة ما حولها.

أطلقت يدها فى غزة تنكيلا وانتقاما من مواطنيها المدنيين فيما يوصف دوليا بـ«حرب إبادة» لا مثيل لها فى التاريخ الإنسانى الحديث لاستعادة هيبتها المنتهكة كممثل أصيل للاستراتيجية الغربية فى المنطقة.

جرت تظاهرات واحتجاجات بأنحاء العالم تندد بجرائم الحرب، التى ترتكب دون رادع من قانون دولى بغطاء أمريكى سياسى واستراتيجى شبه مطلق.

بدأت الهزيمة الأخلاقية تلقى بظلالها الداكنة على المستقبل الإسرائيلى. تراجعت إلى حد كبير تبعات الهزيمة الاستراتيجية التى لحقت بإسرائيل فى الحرب على غزة لعاملين رئيسيين، الدعم الأمريكى المطلق والتخاذل العربى المروع، رغم ذلك فإنها لم تنتصر على أى نحو.

فى نهاية المطاف، الحروب تقاس بنتائجها السياسية. كان الفشل الإسرائيلى ذريعا رغم ما لحق بغزة وأهلها من تقتيل جماعى وتدمير شبه كامل لمبانيها وبنيتها التحتية وتشريد نحو مليونى فلسطينى.

لم تنجح إسرائيل طوال عام كامل من حسم أى من أهدافها المعلنة، لا اجتثت «حماس» ولا بدا أنها سوف تنجح فى منع عودتها لحكم غزة مجددا. لا استعادت رهائنها وأسراها ولا عقدت اتفاق يسمح بوقف إطلاق النار وفق تفاهمات متبادلة. طلبت نصرا مطلقا لم يكن فى مقدورها وطاقتها.

بفائض غرور آخر، فتحت جبهة قتال جديدة فى الجنوب اللبنانى تحت اسم «سهام الشمال» دون أن تتعلم شيئا من تجربتها المريرة فى حرب (2006). لم تضع فى اعتبارها استخلاصات تقرير «فينوجراد»، الذى استغرق نحو عامين فى تقصى أسباب هزيمتها فى تلك الحرب.

من نفس ثغرة الغرور وقعت مجددا فى مستنقع الجنوب. وسعت نطاق المواجهات فيما جيشها منهك بعد حرب طويلة فى غزة واقتصادها يتآكل باضطراد قدرته على الصمود.

لم تكن مصادفة أن يقول زعيم حزب الله «حسن نصرالله» فى خطابه الأخير: «بيننا وبينكم الأيام والليالى والميدان»، وقد ثبت أن المقاومة أعدت لهذا اليوم على مدى ثمانية عشر عاما بكل جدية.

مما أغوى إسرائيل بالحرب على لبنان ما تلقته بنفس التوقيت من حزم مساعدات عسكرية أمريكية بقيمة (8.7) مليار دولار.

رغم ما لحق بحزب الله من ضربات يصعب تحملها من اختراقات لشبكة اتصاله واغتيالات لأعداد كبيرة من قيادته ونزوح أكثر من مليون لبنانى بيئته الحاضنة، إلا أنه أثبت فى الميدان أن التوغل البرى لن يكون نزهة.

وقد انتفت بأسرع مما كان متوقعا عن رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو» دعاوى غروره بأنه بصدد إعلان شرق أوسط جديد يفرضه على كافة اللاعبين الإقليميين بلا استثناء مع الضربة الصاروخية الإيرانية المتأخرة حيث بدا مهزوزا بعدما كان قبلها مباشرة ينتفخ غرورا.

كان القفز من قطاع غزة إلى الجنوب اللبنانى تهربا لدواع سياسية من استحقاق وقف إطلاق النار بصفقة تبادل الأسرى والرهائن. أضيفت إلى مهام الحرب، إعادة (750) ألف نازح إلى مستوطناتهم فى الشمال الإسرائيلى وتقويض القدرات الاستراتيجية لحزب الله دون أن يكون ذلك ممكنا، أو موثوقا فى قدرة إسرائيل على تحقيقه.

حظت العمليات العسكرية فى الشمال بما يشبه الإجماع فى المجتمع الإسرائيلى، لكنه مرشح للتراجع تحت وطأة الخسائر البشرية الفادحة. المأزق الحقيقى أنها استبدلت طلب إعادة الأسرى والرهائن بطلب آخر يصعب تحقيقه وهو إعادة النازحين إلى مستوطناتهم دون أفق سياسى يعمل على التهدئة فى كافة الجبهات.

لا توجد لدى الحكومة الإسرائيلية أية تصورات لليوم التالى، لا فى غزة ولا فى لبنان. كان مثيرا للالتفات تكرار اللعبة نفسها، توسع بلا أفق سياسى للحرب. حسب تصريحات أمريكية متواترة فإن هناك توجها لتهدئة تفضى إلى عودة النازحين الإسرائيليين، هكذا دون مقابل، كأنه تسليم مسبق بما تريده إسرائيل وعجزت عنه بالسلاح.

الأخطر فيما تطرحه الإدارة الأمريكية فك الارتباط بين جبهتى غزة والجنوب اللبنانى. هذا الطلب بالذات هو جوهر الحرب فى الشمال، أن تترك غزة دون أى إسناد. إنها نفس ثغرة الغرور التى تتصور أن العصف بأية حقوق للفلسطينيين ممكن دائما، كأن دروس أكتوبر نسيت تماما.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثغرة الغرور في أكتوبر الآخر ثغرة الغرور في أكتوبر الآخر



GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

GMT 22:47 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حرب القرن

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:40 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

روبي و نيللي كريم معًا في رمضان 2025 بـ«ناقص ضلع»
  مصر اليوم - روبي و نيللي كريم معًا في رمضان 2025 بـ«ناقص ضلع»

GMT 20:41 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الفيشاوي ينفي تغيير كلمات أغنية "نمبر 2"

GMT 18:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة جونيور أجاي فى نهاية تمرين الأهلي وفحص طبي غدًا

GMT 06:30 2020 الإثنين ,26 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الدواجن في مصر اليوم الإثنين 26تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 06:09 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

محمد هنيدي يكشف حقيقة سخريته من الراقصة البرازيلية لورديانا

GMT 17:50 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

أهم وأبرز إهتمامات الصحف الليبية الصادرة الثلاثاء

GMT 05:52 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

محمد حماقي ينعى الشيخ صالح كامل

GMT 23:14 2020 السبت ,07 آذار/ مارس

أسعار الحديد في مصر اليوم السبت
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon