بقلم - عبد الله السناوي
تتناثر نذر الحرب على لبنان، كأنها مقدمات لحرب إقليمية واسعة عواقبها «مدمرة» على ما يقول الأمريكيون.
حسب الجيش الإسرائيلى فإن قواته استكملت جاهزيتها والخطط العملياتية جرى التصديق عليها بانتظار أمر الهجوم الواسع على جنوب لبنان.
فى نفس المشهد المنذر تلوح روادع حقيقية تجعل من الوصول إلى نقطة الانفجار حماقة كبرى تضرب الإقليم كله بصميم أمنه ومستقبله لسنوات طويلة مقبلة.
بين النذر والروادع كل سيناريو محتمل ووارد.
بالنظر إلى الروادع، خارج الأوضاع الإسرائيلية وحساباتها المتناقضة، لن تكون هناك حرب.
أما إذا امتد النظر إلى الداخل الإسرائيلى فإن ما هو متعقل قد يخلى المجال كاملا لما يشبه الجنون السياسى.
الوضع السياسى الإسرائيلى منقسم وهش، الجيش منهك ومأزوم، والنخبة العسكرية والأمنية تحذر من «انهيار استراتيجى» إذا لم تتوقف الحرب فى ظل تآكل ما يطلقون عليه «الإنجازات فى غزة».
مع ذلك كله تنحو الحكومة، التى توصف بأنها الأكثر يمينية منذ تأسيس الدولة العبرية، إلى توسيع نطاق الحرب حتى لا يقال إنها سلمت بهزيمتها.
«إنهم مجموعة من المجانين الذين لا يصلحون لأى شىء» بتعبير زعيم المعارضة «يائير لابيد» واصفا الوزيرين المتطرفين «إيتمار بن غفير» و«بتسلئيل سموتريش» ومن معهما.
الذريعة الرئيسية للحرب على لبنان: عودة الأمن إلى شمال إسرائيل وإعادة مئات آلاف النازحين إلى مستوطناتهم، لكنهم لا يطرحون على أنفسهم سؤالا ضروريا إذا ما كانت الحرب سوف تكون حلا.. أم أنها سوف تفاقم المشكلة؟
بقوة الحقائق فإن المقاومة اللبنانية جبهة إسناد للمقاومة فى غزة، إذا ما توقفت الحرب فى غزة سوف تتوقف بنفس اللحظة الاشتباكات على الحدود الشمالية.
المعضلة هنا أن خطة «بايدن» لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والرهائن تكاد أن تكون قد تلاشت، باستثناء آمال شحيحة.
بالنسبة لـ«نتانياهو» فإن خيار الحرب مع لبنان يساعده على البقاء فى السلطة ودفع الإدارة الأمريكية المهزوزة للاصطفاف معه، أيا كانت العواقب.
وبالنسبة لحزب الله اللبنانى فإنه لا يطلب الحرب، لكنه مستعد ومتأهب لمواجهات طويلة وموجعة مع إسرائيل.
حذر زعيمه «حسن نصر الله» من أنه سيرد على أى اعتداء إسرائيلى بغير قواعد أو سقوف.
كانت تلك رسالة ردع امتد مفعولها لأية أطراف إقليمية قد تدعم بصورة أو أخرى العمليات العسكرية ضد لبنان.
كلامه يكتسب صدقيته من القدرات الصاروخية التى يمتلكها، حجما ونوعا.
إنها حسب التقارير الدولية المتواترة تبلغ عشر أضعاف ما لدى المقاومة الفلسطينية مجتمعة.
كانت عملية الهدهد، بصورها بالغة الدقة، التى أزيح الستار عنها، لقواعد عسكرية ومناطق حساسة عديدة فى العمق الإسرائيلى رسالة ردع استباقية قبل أى هجوم محتمل.
لا أحد فى الإقليم والعالم يطلب حربا واسعة باستثناء «نتنياهو» وحكومته لمصالح سياسية وشخصية.
تخشى الولايات المتحدة أن يفضى توسيع الحرب إلى فوضى إقليمية واسعة تضر بمصالحها الاستراتيجية والإضرار الفادح بالدور الوظيفى، الذى تلعبه إسرائيل، فى الاستراتيجيات الغربية بالشرق الأوسط.
وتخشى أكثر أن تجر إلى ما لا تريده بفائض عجزها أمام مزايدات الجمهوريين قبل الانتخابات الرئاسية الوشيكة.
البنتاجون لا يخفى قلقه حيال الوضع على الجبهة الإسرائيلية اللبنانية داعيا إلى ما أسماه «حل التوترات».. والخارجية الأمريكية تؤكد الارتباط بين ذلك التوتر المنذر والحرب فى غزة، فإذا ما حلت الثانية انهيت الأولى.
نفس الاستنتاج الذى يتبناه كافة اللاعبين الإقليميين بلا استثناء واحد!
فى فوضى الارتباك الأمريكى تراجعت قدرتها على الردع.
هذه حقيقة توكدها الخارجية الأمريكية التى أعلنت أن أمن إسرائيل «مسألة مقدسة»، كأنها رسالة طمأنة بالوقوف معها حتى لو دفعت الإقليم كله إلى هاوية المجهول!
فقد الرادع الأمريكى هيبته.
هذه حقيقة ماثلة رغم أن مستشارا للرئيس الأمريكى «عاموس هوكستين» تواجد بالمنطقة لخفض التصعيد، دون أن يكون له فعل مؤثر.
الأسوأ أنه وجد نفسه طرفا فى ملاسنات أمريكية إسرائيلية حول حقيقة حجب شحنات الأسلحة واصفا تصريحات «نتنياهو» بأنها كاذبة!
تلك الملاسنات فى توقيتها وطبيعتها تعبير عن فجوة ثقة كبيرة تفصل بين «نتنياهو» و«بايدن».
الأول، أرجع عدم قدرته على حسم الحرب وتحقيق «النصر المطلق» إلى حجب إمدادات السلاح عنه مقارنا نفسه بـ«ونستون تشرشل» الذى قال للأمريكيين أثناء الحرب العالمية الثانية «أعطونا المعدات وسوف نتكفل بالمهمة»!
والثانى، اتهمه عبر مستشاريه والمتحدثين باسمه بالجحود ونكران الجميل حيث وقف مع إسرائيل، كما لم يفعل أى رئيس أمريكى آخر.
على نحو صريح ومباشر تحولت دفة الملاسنات من حقيقة حجب صفقات السلاح إلى التدخل شريكا مع الجمهوريين فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
بدا مأزق «بايدن» مستحكما وموقفه مهزوزا.
فهو يريد أن يركب جوادين فى وقت واحد، دعم اللوبيات اليهودية فى حملته الانتخابية، وتحسين صورته أمام القطاعات الشابة فى المجتمع الأمريكى والجاليات العربية والإسلامية التى تناهض الحرب على غزة وتتهمه بالتورط فيها.
يؤرقه سؤال إذا ما كان سوف يقابل «نتانياهو» عند زيارته المتنظرة إلى واشنطن لإلقاء خطاب أمام الكونجرس دون أن يقرر شيئا حتى الآن!
بنفس الوقت احتلت الحيز العام فى إسرائيل ملاسنات أخرى بين «بن غفير» و«نتانياهو» عبرت عن عمق الأزمة الحكومية التى قد تزكى مغامرة الحرب فى لبنان.
الأول، يطلب أن يكون طرفا مباشرا فى إدارة الحرب دون خبرة سياسية، أو عسكرية.
الثانى، يمانع خشية أن يتحول مجلس الحرب قبل حله إلى سيرك تنشر أسراره بالعلن.
كان قرار «نتنياهو» إنشاء مجموعة وزارية أمنية مصغرة تضم «بن غفير» محاولة فى الوقت بدل الضائع لامتصاص الأزمة، لكنها بدت كاشفة لمدى صلاحية المستوى السياسى كله للبت فى مسائل بالغة الخطورة كالحرب على لبنان.
الأوضاع السياسية الهشة فى إسرائيل يفترض أن تردع أية مغامرة لتوسيع نطاق الحرب، لكنها قد تدفع بالمفارقة إلى الإقدام عليها!