توقيت القاهرة المحلي 21:14:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أوراق سامي شرف.. الرجل والتاريخ

  مصر اليوم -

أوراق سامي شرف الرجل والتاريخ

بقلم - عبد الله السناوي

بلا موعد مسبق حضر «أشرف مروان» سكرتير الرئيس للمعلومات إلى بيت «أنور السادات» بالجيزة، ومعه حقيبتان من حجمين مختلفين معبئتان بأوراق ووثائق جلبها من مكتب «سامى شرف» وزير شئون الرئاسة.
كان ذلك بعد اعتقاله فى أحداث مايو (1971).
تصور «مروان» أن وثائق الرئاسة فى «منشية البكرى» قد تغرى الرئيس الجديد بقراءتها، أو اعتبارها «هدية ثمينة» تستوجب الامتنان والشكر، لكن «السادات» قال ساخطًا: «لن أقرأ البلاوى دى.. اقرأها أنت يا محمد وإن كان فيها حاجة مهمة قل لى».
هكذا خاطب «السادات» «محمد حسنين هيكل»، وقد كان جالسا معه فى حديقة البيت يتحاوران فى أمور اعتيادية.
كانت تلك «أوراق سامى شرف»، التى دأب على ترتيبها وتنظيمها بدقة بالغة يسهل معها استعادتها إذا ما طلب الرئيس «جمال عبدالناصر» مراجعتها، أو الاطلاع عليها.
فى عام (2009) وجدت نفسى طرفا مباشرا فى معركة سياسية وصحفية نشبت بين صحيفة «العربى» واللواء «جمال حماد» أحد الضباط الأحرار، وقد كانت «أوراق سامى شرف» البطل الأول فيها.
سألت الأستاذ «هيكل» إذا كان ممكنًا أن أطل على ما لديه من مراسلات «حماد» إلى «عبدالناصر».
رد على السؤال بمثله: «ومن أدراك أن عندى مثل هذه المراسلات؟!».
قلت: «متأكد وأرجو أن تسمع فى المساء الحلقة العاشرة من شهادته على العصر حتى تحسم قرارك».
سمع بنفسه ما لا يخطر على بال من سباب تجاوز كل عقل ومنطق.
فـ«ثورة يوليو عصابة حكمت» و«جريمة كبرى» فى التاريخ المصرى، ليتها لم تقم، و«جمال عبدالناصر» شخصية «حاقدة» يسيطر عليه «الغل»(!)
بأثر ما رأى وسمع قال الأستاذ «هيكل» فى اليوم التالى: «ما شهدته مريع».
«هذه وثيقة دامغة بخط يده، تصرف فيها كما تشاء».
كان أخطر ما انطوت عليه الوثيقة الخطية اعترافه بــ«كتابة التقارير» عن زملائه وخصومه على حد السواء.
أنهت وثيقة واحدة بخط يده كل كلام بعدها.
فيما كتبت ــ (١٥) فبراير (٢٠٠٩) ــ تحت عنوان «كاتب التقارير»: «إنه قد يباغت ــ قبل غيره ــ بأن ما كتبه لا يزال فى الحفظ والصون رغم مرور ٤٧ عامًا على إيداعه فى مكتب رئيس الجمهورية».
بصياغة «سامى شرف»: «حين دخل صباح يوم ٢٤ سبتمبر عام ١٩٦٢ مكتبى، كان مضطربًا وعوامل القلق بادية عليه، فهو يعتقد أن الرئيس غاضب منه، وأنه اكتشف لتوه ــ قبل يومين فقط ــ أنه تعرض لمؤامرات أدت إلى إحجام الرئيس عن أن يلتقيه، ولو مرة واحدة، لمدة خمس سنوات كاملة».
كانت تلك استنتاجات «سامى شرف» التى رفعها للرئيس مع مذكرة خاصة كتبها «حماد» إليه من (٤) صفحات بخط واضح ومتأنق قمت بنشرها دون حذف حرف واحد.
اطلع «عبدالناصر» على المذكرة، ووضع خطوطًا تحت بعض عباراتها، لكنه رفض أن يقابله.. أو أن يرد عليه.
فى ذلك الصباح البعيد أبلغ «حماد» «سامى شرف» أن فى حوزته معلومات وافية ــ بالأسماء والتفاصيل ــ عن تصرفات فى القوات المسلحة لضباط هم من زملائه ومقربيه!.. وأنه يريد أن يضعها تحت تصرف الرئيس وحده.
لم يلتفت «عبدالناصر» إلى وشاياته ورفض أن يقابله.
فى الحلقة التى تلت نشر مذكرته الخطية تلا قصيدة من نظمه فى مدح الزعيم الراحل قائلًا: «من أنا حتى أهاجم جمال عبدالناصر».
لم يكن صعبًا على اللواء «حماد» توقع أن يكون «هيكل» هو مصدر الوثيقة التى أدانته بخط يده، فأخذ يهاجمه بينما يعتذر لـ«عبدالناصر».
فيما بعد النشر قال لى الأستاذ «هيكل»: «أنت تعرف القصة الحقيقية للطريقة التى حصلت بها على الوثائق المودعة فى مكتب سامى شرف، أخبره حتى يستريح خاطره».
وكان رد «سامى شرف»: «لقد شعرت اليوم أن أوراقى عادت لى، وقد كانت تلك معركة باسمنا جميعًا».
أزاحت تلك الواقعة حساسيات بين الرجلين وركام من الجليد فى العلاقات بينهما.
الحقيقة أن مجموعة «هيكل» عن «حرب الثلاثين سنة»، التى مثلت دفاعا موثقا عن عصر «عبدالناصر»، لعبت الدور الأكبر فى إذابة ذلك الجليد.
فى منتصف ثمانينيات القرن الماضى التقى به نائب رئيس الجمهورية الأسبق «على صبرى» فى مناسبة عزاء.
كلاهما وقف فى معسكر ضد الآخر فى أحداث (١٥) مايو (١٩٧١)، التى أفضت إلى دخوله وزملائه السجون لعشر سنوات كاملة.
اقترب منه، وقد كان رجلًا شديد الاعتداد بنفسه قائلًا: «هوه ده هيكل».
كانت تلك مفاجأة له وشهادة لـ«على صبرى»، الذى أبدى تقديره البالغ لمجموعة «حرب الثلاثين عامًا».
المسار نفسه أخذه «سامى شرف» من الجفوة الشديدة إلى الود البالغ على خلفية الموقف السياسى المشترك مما حدث من تحولات وانقلابات سياسية فى عصر «أنور السادات» وما بعده، فالولاء لـ«عبدالناصر» يجب عنده أى اعتبار آخر.
سجل شهادته على العصر فى كتاب من سبعة أجزاء حمل عنوان «أيام وسنوات مع عبدالناصر».
حاول بقدر ما يستطيع توثيق شهاداته وذاكرته بدت يقظة حتى أيامه الأخيرة.
بأى نظر موضوعى لا يمكن الاستغناء أو تجاهل شهادته على التاريخ، فهو خازن الأسرار الأول.. شاهد وعاين الحوادث الكبرى من موقعه فى مكتب الرئيس.
لم يكن مقتنعا بأهلية «السادات» لتولى موقع الرئيس، لكنه لم يتآمر عليه فى (15) مايو بالنظر إلى أن البلد كانت فى حالة حرب.
«لقد أخطأت وإذا كان زملائى يشاركوننى الخطأ نفسه فإنى اعترف بفداحة خطئى أكثر من أى أحد آخر».
ولم يكن مقتنعا بصلاحية المشير «عبدالحكيم عامر» لقيادة الجيش، لكنه كان نقطة الضعف الإنسانى لـ«عبدالناصر».
«كل المؤامرات خرجت من مكتبه فى دمشق على الوحدة مع سوريا وفى القاهرة إثر هزيمة 1967».
كانت شهادته لافتة على انتحار «عبدالحكيم عامر» حيث نفى فرضية الاغتيال بالسم بأكبر قدر ممكن من التوثيق.
فى تجربته تبدت صفتان رئيسيتان.
الأولى، انضباطه الشديد فى العمل، هو أول من يحضر لرئاسة الجمهورية وآخر من يغادرها عندما يلمح غرفة الرئيس فى المبنى المجاور قد أغلقت أنوارها.
كل شىء فى مؤسسة الرئاسة منظم ودقيق، ولا مجال لأية عشوائية فى صناعة القرار.
والثانية، الوفاء الاستثنائى لـ«جمال عبدالناصر»، عاش بعده أكثر من نصف قرن لم تتغير بوصلته ولا خفتت مشاعره.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوراق سامي شرف الرجل والتاريخ أوراق سامي شرف الرجل والتاريخ



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:49 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 09:32 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

إطلالات للمحجبات تناسب السفر

GMT 10:42 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

بولندا خرقت القانون بقطع أشجار غابة بيالوفيزا

GMT 23:19 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

كلوب يحمل بشرى سارة بشأن محمد صلاح

GMT 01:19 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

لاتسيو يحتفظ بخدمات لويس ألبيرتو حتى 2022

GMT 07:17 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

وفاء عامر تبدي سعادتها لقرب عرض مسلسل الدولي

GMT 09:03 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

فيسبوك يُجهّز لتسهيل التطبيق للتواصل داخل الشركات الصغيرة

GMT 20:34 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

حبيب الممثلة المطلقة أوقعها في حبه بالمجوهرات

GMT 04:40 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

أشرف عبد الباقي يسلم "أم بي سي" 28 عرضًا من "مسرح مصر"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon