توقيت القاهرة المحلي 06:23:49 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الصراع الدامي على المستقبل!

  مصر اليوم -

الصراع الدامي على المستقبل

بقلم - عبد الله السناوي

بعد عام على الحرب الأوكرانية تتكشف طبيعتها، مباشرة وصريحة، باعتراف الرئيسين الأمريكى «جو بايدن» والروسى «فلاديمير بوتين».

إنه الصراع الدامى على مستقبل النظام الدولى، حساباته وموازين القوى والمصالح فيه.

لم تكن مصادفة زيارة «بايدن» إلى كييف عشية العام الثانى من الحرب، أراد أن يرفع مستوى التعبئة السياسية والعسكرية خشية أن يفلت زمام الموقف من البيت الأبيض، أو أن تساور الشكوك أعضاء حلف «الناتو» فى قوته ووحدته وقدرته على كسب معاركها العسكرية.

ولا كانت زيارته إلى بولندا واجتماعاته فيها مع «مجموعة بوخارست»، التى تضم (9) دول تمثل الجناح الشرقى للحلف، مصادفة أخرى.

أراد أن يبعث إلى البولنديين رسالة طمأنة باعتبارها الطرف الأوروبى الأكثر انخراطا فى الجهد العسكرى لـ«الناتو» على الحدود مع أوكرانيا.. «إننا ماضون فى الحرب ولن نسمح لروسيا أن تكسبها».

مداخلاته فى بولندا استهدفت التأكيد على «وحدة الحلف».. وأنه بات الآن أكثر قوة عما كان عليه قبل عام.

كان ذلك عملا تعبويا لرفع منسوب الثقة العامة فى أوساط الحلفاء.

تبدت رسالة ثانية، رمزية هذه المرة، فى اختيار العاصمة البولندية وارسو، كمنصة إطلاق لرسائله الجديدة.

بإرث التاريخ فإن وارسو كانت مقرا وعنوانا لحلف عسكرى مضاد لـ«الناتو» يقوده الاتحاد السوفييتى السابق فى سنوات الحرب الباردة.

أراد أن يقول إننا هنا الآن، نبحث فى المخاوف الأمنية لدول كانت إلى وقت قريب أعضاء فى حلف «وارسو» من تمدد شرارات الحرب إليها.

بإلحاح ظاهر تطرق مرة بعد أخرى إلى التزامه بالمادة الخامسة من ميثاق حلف «الناتو»، التى تعتبر أن أى اعتداء على إحدى دوله اعتداءً على الحلف كله.

فيما تسرب عن اجتماعه مع «مجموعة بوخارست» أن قادتها طالبوه بتمركز أكبر للقوات الأمريكية فى أوروبا لحمايتها من أية عمليات عسكرية روسية محتملة!

لم يكن حديث «بايدن» عن طبيعة الحرب الأوكرانية كصراع على المستقبل كلاما عابرا فى أجواء ملتهبة بقدر ما كان تعبيرا دقيقا عن حقيقة الموقف.

المعنى أنه ليس واردا أن تتخلى الولايات المتحدة بكل الوسائل المشروعة، أو غير المشروعة، العسكرية أو غير العسكرية، عن هيمنتها على النظام الدولى مهما كانت التبعات والتكاليف.

هذه هى الحقيقة الكبرى فى كل ما جرى على مدى عام كامل.

الحقائق غير الذرائع التى ترددت طويلا وكثيرا عن طبيعة الحرب، أنها من أجل الديمقراطية وقيمها، أو دفاعا عن أوكرانيا ووحدة أراضيها، أو حماية للأمن الأوروبى من أى تغول روسى عليه.

من زاوية استراتيجية أمريكية فإنها قبل كل شىء دفاع عن الدور الأمريكى المهيمن على النظام الدولى المتهالك.. و«الناتو» كلمة السر فى الإبقاء عليه وتواصل الهيمنة الأمريكية.

يستلفت الانتباه ــ هنا ــ أن السياسة التى يتبعها «بايدن» فى النظر إلى مركزية «الناتو» تناقض تماما ما تبناه سلفه «دونالد ترامب» من تهميش للحلف والتخلى عن أى التزامات سابقة تحت شعار: «الأمن مقابل الدفع»!

لمرات عديدة أعرب «بوتين» أنه يتطلع لبناء نظام دولى جديد أكثر تعددا وعدلا لا تتحكم فيه دولة واحدة، دون أن يكون لديه مشروع واضح يتعدى الشعارات العامة.

خاطب «بوتين» الضجر الدولى المعلن والمضمر، من هيمنة القطب الأوحد خلال سنوات ما بعد الحرب الباردة، وقد كانت مريرة، لكنه لم ينجح فى اختراقات كبيرة ذات وزن بالجمعية العامة للأمم المتحدة بأثر الضغوط الدبلوماسية الأمريكية.

فى البداية استخدم ذريعة الأمن الروسى إذا ما تمكن «الناتو» أن يتمركز على حدوده المباشرة مع أوكرانيا، أو أن تكون خنجرا فى الخصر على عكس ما تعهدت به الولايات المتحدة مقابل موافقة موسكو على توحيد الألمانيتين مطلع تسعينيات القرن الماضى.

كانت تلك ذريعة مقنعة لمواطنيه.

وكان سجل التهميش والعنصرية تجاه كل ما هو روسى فى أوكرانيا ذريعة ثانية بررت ضم أربع مناطق أوكرانية إلى الاتحاد الروسى.

مشكلة «بوتين» الرئيسية أنه لم يحظ بدعم من حلفاء أقوياء يوازن ما توافر للولايات المتحدة.
الصين، حليفه الاستراتيجى المفترض، تعرضت لحملات ابتزاز متصلة تؤكد دون دليل واحد أنها تمد موسكو بالذخائر والأسلحة، وأنها تنتوى أن تشارك فى الأعمال القتالية بالفترة المقبلة.

نشرت تقارير استخباراتية فى كبريات الصحف الأمريكية لوضع الصين تحت الضغط الشديد سعيا لإرباك خططها فى التقدم إلى الموقع الأول فى الاقتصادات الدولية.

إذا تورطت فى الحرب خسرت مستقبلها الاقتصادى الذى تطمح إليه.

وإذا انزوت تخسر مستقبلها السياسى وتتهددها احتمالات الحرب فى محيط تايوان.

أخطر ما قد يحدث فى العام الثانى للحرب أن تتسع دوائرها بالإفراط فى التحرش بالصين وبيلا روسيا وأى حلفاء آخرين مفترضين.

مع بداية العام الثانى من الصراع الدامى على المستقبل الاحتمالات كلها مفتوحة على التصعيد المتصل.

فى خطوتين متضادتين، بالفعل ورد الفعل، جرى تراشق استراتيجى جديد بين اللاعبين الدوليين.
«بايدن» أعلن عن حزمة عقوبات جديدة على موسكو تشمل وضع سقف لأسعار الغاز الروسى ومقاطعته كاملا فى مدى منظور لحرمان آلة الحرب الروسية من أى مصادر دخل تساعدها على المضى قدما.

سلاح العقوبات القاسية لم ينجح فى «تركيع موسكو» لكنه يقينا أرهقها اقتصاديا.

«بوتين» بالمقابل رد على الضربة الاقتصادية الأمريكية بضربة استراتيجية روسية.

ألغى من طرف واحد اتفاقية «نيو ستارت» التى تمنع الانزلاق إلى سباق تسلح استراتيجى ونووى بين القطبين الكبيرين.

كان ذلك تصعيدا خطيرا فى مستوى المواجهة، أو تلويحا جديدا بالخيار النووى.

أراد «بوتين» أن يقول: هناك خطوط حمراء إذا ما جرى تجاوزها بتهديد الداخل الروسى، أو العمل على تقسيمه وتقزيم حجمه فى معادلات القوة الدولية فإن كل شىء محتمل.

بين نظام دولى قديم ومتهالك يكاد أن يكون أطلالا ونظاما دوليا جديدا يتعثر فى ميلاده يدخل العالم كله إلى عام آخر من الحرب الأوكرانية بتصعيد عسكرى متفلت وأفق سياسى مسدود.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصراع الدامي على المستقبل الصراع الدامي على المستقبل



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات

GMT 20:08 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة تصدر 9 قرارات تهم المصريين "إجازات وتعويضات"

GMT 08:01 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

عرض فيلم "الفلوس" لتامر حسني أول تشرين الثاني

GMT 08:44 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

إنجي علي تفاجئ فنانا شهيرا بـ قُبلة أمام زوجته
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon