توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من مواجهات تفاوضية إلى صراع وجودي

  مصر اليوم -

من مواجهات تفاوضية إلى صراع وجودي

بقلم - مصطفى فحص

فرضت معركة «طوفان الأقصى» مواجهة مختلفة عن سابقاتها، فمن المستحيل أن تنتهي على غرار المواجهات السابقة باتفاق لوقف إطلاق النار ورعاية إقليمية لهدنة مؤقتة، بعدما كسرت قواعد الاشتباك السابقة كافة، وحطّمت معادلة الردع الإسرائيلي الذي تحتاج تل أبيب إلى معركة مفتوحة من دون قيود أو سقف زمني، ودعم دولي غير محدود من أجل استعادته، أي إلى إبادة كاملة لقطاع غزة تحت ذريعة تصفية حركة «حماس» وباقي الفصائل الفلسطينية المسلحة، وهذا مستحيل. بالنسبة إلى «حماس» وباقي الفصائل التي تعمل كتنظيمات مسلحة خارج السلطة الرسمية البقاء على قيد الحياة يمكن عدّه انتصاراً مهما كانت الخسائر بالبشر والحجر، أما بالنسبة إلى إسرائيل، فإن ما جرى وبعيداً عما سينتهي عليه سيحتاج إلى عقود لإعادة ترميم مبدأ التفوق في الوعي الجماعي لسكان إسرائيل، وإعادة الثقة بمؤسسة الجيش التي فشلت في تحقيق الأمن الجماعي لهم، فهي للمرة الأولى منذ تأسيسها مهددة بهجرة معاكسة، خصوصاً من قِبل الطبقة المتوسطة المعارضة للتيارات والأحزاب اليمينية الدينية الحاكمة التي قد تجد لها ملاذاً آمناً في أوروبا، كما أن هناك تهديداً ديمغرافياً داخلياً؛ إذ من الصعب إقناع سكان مستوطنات غلاف غزة بالعودة السريعة إليها.

فعلياً بعد «طوفان الأقصى»، لم تعد المواجهة ما بين حركة «حماس» وبين الاحتلال الإسرائيلي، بل عادت إلى نقطة البداية ما بين القضية الفلسطينية والكيان الإسرائيلي، أي إعادة المنطقة والعالم إلى صراع وجودي مبني في العقل الإسرائيلي في القضاء على ما تبقى من الطرف الآخر، أي تصفية نهائية للقضية الفلسطينية، هذا الهدف ليس فقط من أجل تحقيق انتصار عسكري فقط، بل الأهم بالنسبة للنخب الإسرائيلية الحاكمة التخلص من أي التزامات مستقبلية تجاه الفلسطينيين كشعب، وذلك واضح من خلال التهميش الممنهج للسلطة الوطنية الفلسطينية وإضعافها لتبرير أن لا شريك سلام فلسطينياً من جهة، ومن جهة ثانية سياسات قضم الأراضي في الضفة الغربية منذ عقود باتت تعيق جغرافياً قيام دولة فلسطينية، والآن محاولة الضغط من أجل تهجير سكان غزة نحو سيناء؛ الأمر الذي يهدد الأمن القومي المصري بشكل خاص والأمن الجماعي العربي بشكل عام، ويأخذ الأزمة إلى مستويات أشد خطورة، وهذا ما أشار إليه الكاتب السعودي طارق الحميد في مقاله الأخير في صحيفة «الشرق الأوسط» بعنوان «الحذر من تغيير الخرائط»، حيث قال: «ما يحدث خطر ومن شأنه تغيير الخرائط والواقع على الأرض وقد يعيدنا للتفاوض على كل ما كان لدينا جغرافياً».

عملياً، من المستحيل تقبل الأطراف الأساسية المعنية بالقضية الفلسطينية بمخططات تل أبيب، وفي مقدمتهم الرياض وأغلب أشقائها العرب، التي قدمت رؤيتها للسلام العادل والشامل المبني على مبدأ حل الدولتين وعدّ منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية شريكاً أساسياً في الحل، وهذا ما كان يحرج «حماس» ويقلّص من نفوذ داعميها الإقليميين من جهة، ومن جهة ثانية فإن التمسك بحل الدولتين يُشكل كابوساً حقيقياً لليمين الإسرائيلي الحاكم الذي كان قبل الأزمة يواجه أزمة بنيوية، ورفضاً من قِبل ما يسمى بالمجتمع الإسرائيلي الذي يميل أكثر نحو التطرف، وهذا واضح من خلال خيارات ناخبيه.

في البيان المبكر الذي صدر عن وزارة الخارجية السعودية وما نقله الإعلام الرسمي السعودي عن لسان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بأن «موقف المملكة الثابت تجاه مناصرة القضية الفلسطينية، ودعم الجهود الرامية لتحقيق السلام الشامل والعادل الذي يكفل حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة»، تسلك الرياض مسلكاً مختلفاً عن الجميع بعيداً عن مزايدات «الممانعة» تجاه فلسطين وانحياز الغرب غير العقلاني لصالح إسرائيل، حيث تؤكد الرياض أن القضية الفلسطينية ثابتة على الرغم من قسوة المتحولات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من مواجهات تفاوضية إلى صراع وجودي من مواجهات تفاوضية إلى صراع وجودي



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon