توقيت القاهرة المحلي 06:24:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أوروبا وفلسطين... معالجة الخطيئة بخطيئة أكبر

  مصر اليوم -

أوروبا وفلسطين معالجة الخطيئة بخطيئة أكبر

بقلم - مصطفى فحص

 

يعاني الاتحاد الأوروبي ككتلة قارية تتشكل من 27 دولة، مجتمعة أو منفردة، تراجعاً في دوره العالمي خصوصاً في تقرير السياسات الدولية، وحتى في شؤونه الداخلية، فقد كانت الحرب الأوكرانية نموذجاً صارخاً لإعادة ربطه المباشر مع الولايات المتحدة، هذا الارتباط عزّز وجهة نظر سلبية لدى النخب الأوروبية التي توجّه انتقادات حادة إلى مشروع الاتحاد الأوروبي وأهدافه المرجوّة، فبالنسبة إليهم على المستوى السياسي فشل الاتحاد في التحول إلى أداة قارية جيوسياسية وجيوستراتيجية مؤثرة عالمياً بصفة منفردة غير مرتبطة بواشنطن، أما على المستوى العسكري فلم تستطع دول الاتحاد ضمان الأمن الجماعي الأوروبي من دون الولايات المتحدة، فقد أثبتت الحرب الأوكرانية أن الاتحاد فشل في أن يكون قوة عسكرية حاسمة في أي صراع دولي.

من القضية الفلسطينية وإليها، من خطيئة أوروبا التاريخية مع المسألة اليهودية والخطيئة الكبرى مع الفلسطينيين وأرضهم، كشفت حرب غزة عن أن العقل النخبوي لم يزل مصراً على معالجة خطاياها بممارسة خطايا أكبر، وهذا الفعل الراديكالي الواضح لبعضهم في حرب غزة بعيداً عن موقفهم من فِعلة «حماس»، يبرهن إلى حد ما على أنه ليس من موقع القوة بل نتيجة ضعف ومحدودية الفعل، تُغطيه بمواقف استعلائية متطرفة، الأمر الذي يعزز التقدير بأفول النموذج الغربي الأوروبي، وانتقال التأثير العالمي إلى مناطق أخرى من العالم.

من غزة وإليها، ظهرت أوروبا كقوة اقتصادية وكمنطقة دعم وإسناد لواشنطن وتل أبيب فقط، وليس قوة موحدة مستقلة في سياساتها قادرة على فرض حلول أو طرق للخروج من الأزمات، حرب غزة كشفت عن مستوى التصدع الأوروبي وعدم انسجام المواقف، وهذا له عدة أسباب في مقدمتها الإرث التاريخي لكل بلد أوروبي في علاقته مع معاداة السامية وفي ماضيه الكولونيالي إضافةً إلى صعود اليمين المتطرف واستبدال عدائه المطلق للإسلام بالعداء لليهود. هذه التباينات الداخلية الحادة منعت صدور موقف أوروبي موحد، وأدت إلى انتقادات قاسية ضد ما صدر من مواقف عن رئيسة المفوضية الأوروبية الوزيرة الألمانية السابقة (أورسولا فون دير لاين) في أثناء زيارتها لتل أبيب ودعمها المطلق لحكومة نتنياهو، ما دفع معارضيها إلى القول إنها تتحدث باسمها الشخصي وليس باسم كل أوروبا، إذ وُجهت إليها اتهامات من 842 مسؤولاً في المفوضية عُدّت رسالة مشتركة قالوا فيها «إننا لا نرى قيم الاتحاد الأوروبي في اللامبالاة الظاهرة التي أظهرتها مؤسستنا خلال الأيام القليلة الماضية تجاه المذبحة المستمرة ضد المدنيين في قطاع غزة». هذه الرسالة تنسجم مع موقف مسؤول السياسات الخارجية الوزير الإسباني السابق جوزيب بوريل، وإلى حد ما مع موقف الأمين العام للأمم المتحدة السياسي البرتغالي اليساري أنطونيو غوتيريش.

عملياً انقسام الاتحاد الأوروبي كان واضحاً، فدول الكتلة الشرقية سابقاً انتقلت من العداء للسامية إلى تكامل مع الولايات المتحدة وإسرائيل، أما دول أوروبا الفاعلة فقد حافظت إسبانيا على تمايزها وانسجامها المتوسطي، فيما استعاد اليمين الإيطالي إرثه الفاشي الإشكالي مع تحول في طبيعة عداءاته، ويبقى المثلث القاري الرافع للقوة الغربية الأوروبية (فرنسا وألمانيا معهما بريطانيا)؛ ألمانيا لها إشكالياتها وعُقدة الذنب التي تعيشها، أما بريطانيا العارفة بتفاصيل المنطقة فقد تخلّت مع رئيس وزرائها عن مفهوم التعددية الذي سمح لمهاجر هندي بأن يتبوأ أعلى منصب تنفيذي، لكن أزمة سوناك أنه نقل موروثه العقائدي، أيْ أزمة العلاقة ما بين القومانية الهندية والإسلام إلى بريطانيا، كأنه أكثر انسجاماً مع موقف رئيس الوزراء الهندي المؤيد للموقف الإسرائيلي وعلاقته الشخصية بنتنياهو، من طبيعة التعددية البريطانية.

ظهر جزء أساسي من الأزمة الأوروبية مع جوارها التاريخي والحضاري (حوض البحر المتوسط)، إذ فشلت أوروبا منذ قمة برشلونة قبل ثلاثة عقود في أن تكون البديل المغري على المستوى الإقليمي، في أوروبا المتوسطية، إذ تتشارك مع غزة وأهلها هذا الفضاء المشترك كانت مواقف بعض زعمائها السياسيين أكثر راديكالية من مواقف إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، في هذا الفضاء المتوسطي المشترك تخلّت أوروبا عن كل ما قدمه المفكر فرناند بروديل من إرث تاريخي وموضوعات حضارية متقاسمة ما بين شماله وجنوبه، ولجأت إلى ترهيب الأصوات المدافعة عن القيم الكونية التي أساسها قيم أوروبية؛ من تجريم الآخر وشيطنته إلى منع حرية التعبير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوروبا وفلسطين معالجة الخطيئة بخطيئة أكبر أوروبا وفلسطين معالجة الخطيئة بخطيئة أكبر



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon